+ A
A -
إنَّ التاريخ؛ مُعلِّم البشريَّة يُخبرنا أنَّ كُل الحروب على هذه المعمورة كان ومازال ينتصرُ فيها الإعلام الذي يلعب دور البطل الأكثر فاعلية في حسم نتيجة المعركة، خاصةً تلك الحروب الإعلاميَّة التي لعبت على معنويات الخصوم وحطّمت إرادته القتاليَّة وأضعفت من مواجهتِهِ وصمودِه، وهذا ما يقوم به بشكلٍ حرفيًّ وذكي الإعلام القطري الذي يُعدُّ أحَدَ أهمِّ الثروات التي تتميزُ بها البلاد؛ وذلك من خلال حربه الإعلاميَّة الأخلاقية التي تتبع منهجية مدروسة تعتمد على أسس علمية صحيحة في تعاملها مع النفسية البشرية، فالكثير من الأصوات التي كانت ضد الدوحة منذ اندلاع الأزمة أصبحت تنادي إلى إخماد فتيل هذه الأزمة المفتعلة وتُشيد في الوقت نفسه بموقف الدبلوماسية القطرية الحكيمة والإعلام القطري النزيه الذي لم ينجرَّ إلى رذائل الجريمة والإرهاب الإلكتروني أو حتى قابل الدقَّةَ بالدقَّة في مسألة اختراق منصات التواصل الاجتماعي لأصوات قطر الوفيّة الحرة، وإنَّي أؤمن بأنَّ دور الإعلام والإعلاميين في قطر عليه أن يكون مسهمًا في عملية الإصلاح، معززًا للوحدة الوطنيَّة، وذلك من خلال نشرهم لثقافة التعاون الإيجابي بين مختلف الفئات وتعزيز القوة الذاتيَّة التي تتمتع بها الجموع من أجل تجاوز هذه الأزمة بفضل الله تعالى في أقرب الآجال.
إنَّ خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أميرُ البلادِ المُفدَّى، حفظهُ الله ورعاه؛ أكَّد بشكلٍ جازم أمامَ الرأي العامّ العالمي أنَّ البلاد ماضيةٌ دون تراجع في منحها الحق في الوصول إلى المعلومة والحق في حريَّة التعبير، وذلك من خلال ثورتها الإعلاميَّة التي أحدثتها والتي تحولت إلى واحدة من أقوى ثروات البلاد، الأمر الذي يؤكد أهمية الحريَّة الإعلاميَّة التي أسستها وحافظت عليها دولة قطر؛ إيمانًا منها بدور الآلة الإعلاميَّة في بناء الدولة كأداةٍ فاعلةٍ تنموية ومنظومةٍ عصريَّةٍ متكاملة وذلك من خلال ارتباطها بقُوى الدولة الشاملة والتي تحققُ بشكلٍ غير مباشر؛ الأمن الوطني المطلوب من خلال إسهامها في بناء المواطن الصالح وتحصينها لهُ ضدَّ أي غزو فكري وإعلامي معادي وتنميتها للوعي السياسي لدى الشعب واستيعابهم لما يجري بكل شفافيَّة في الداخل والخارج وإشراكهم في عملية صُنع القرار.
عزيزي القارئ، لقد تعرضتُ مؤخرًا وعددٌ من زملائي الإعلاميين القطريين لسلسلة من الاعتداءات الممنهجة لاختراق حساباتنا الافتراضية في مختلف منصات الإعلام الجديد والتي نقوم خلالها بإيصال صوت الحق والضمير مع الالتزام بأخلاقياتنا ومهنيتنا الإعلاميّة، وبرأيي أنَّ جريمة الاختراق الإعلامي هي أخطر أنواع الاختراقات وأشدّها فتكًا وأعظمها أثرًا في أي حرب إعلاميَّة لا أخلاقية يخوضها أي خصم، ورغم كل تلك المحاولات التي مارسها ومازال يمارسها قراصنة دول الحصار إلا أنهم لم يتمكنوا من تحقيق هدفهم في تحطيم الإرادة الشعبيّة أو حتى نشر ثقافة الإحباط في الأوساط الجماهيرية وذلك من خلال إشاعة جو إعلامي كئيب يتصِّف بالفتن التي تأتي في سيناريو مكثّف من الإشاعات المدروسة والأكاذيب والمغالطات التي تخدع العامة وتفجير القنابل الدخانية التي لم تُعم إلا قلوبهم وأبصارهم وعطلت حواسهم وضميرهم.
إنَّ دولة الإمارات العربيَّة المتحدة؛ مارست نوعًا من أنواع الإرهاب الأخضر (الإرهاب المعلوماتي) والذي يُعَدّ من أخطر ما يمكن أن تواجهُه أي دولة في العالم، ففي العادة الفئة المدبِّرة لهذا النوع من الإرهاب تقوم بتنفيذ خططها التنفيذية دون أي تكلفة ولا حتى تتكبد أي مواجهة حقيقية ونزيهة في ميدان الحرب الجادّة، وإنَّ هذا النوع من أنواع الإرهاب المعلوماتي يندرج تحت مظلة استهداف نظم الاتصالات؛ حيثُ إنَّ منصة وكالة الأنباء القطرية تُعتبر منصةً اتصالية جماهيرية رسمية في الدولة، كان الهدف من اختراقها إحداث خلل كبير وتمزيق أساسي في آليات سريان الاتصال الإعلامي الرسمي في قطر، ونشر حالة من الرُعب والفوضى العارمة، التي لم تتحقق بأمر الله تعالى، ويجدُر بي الإشارة إلى أنَّ مجلس التعاون الخليجي بكونه منظمةً إقليميةً سياسية واقتصادية عربية؛ كانَ قد وقّع على عددٍ من المعاهدات والمواثيق التي تُلزم أعضاء المجلس على حماية أمن الدول الأعضاء وردع أيِّ عدوانٍ عسكريٍ وإلكترونيٍ تتعرّض لهُ، وكان آخر هذه المعاهدات المرتبطة بالأمن السيبراني للمجلس هي وثيقـة الريـاض لمكافحة جرائم تقنية المعلومات والتي لم تلتزم بها الإمارات بتورطها في هذه الجريمة الإلكترونية الشنعاء.
إنَّ موضوع الفضاء السيبراني أضحى جزءًا من قانون الحرب، كما أنَّ مكافحة وقمع الأعمال الجرميَّة السيبرانيَّة أضحت ضرورةً قصوى ومطلبًا قانونيًا ودوليًا مهمًا لا يمكن التهاون فيه، وفي ذلك أكد سعادة الدكتور حسن بن لحدان الحسن المهندي؛ وزير العدل، أنَّ وزارة العدل حريصة على متابعة الموقف القانوني للدولة، ومتابعة كافَّة أضرار الحصار داخليًا وخارجيًا، والنظر في كافة القضايا المتعلقة بالأضرار الاجتماعية والاقتصادية التي لحقت بالمواطنين القطريين، ومختلف الكيانات القطرية الشخصية منها والاعتبارية، جراءَ الإجراءات غير القانونية وغير المسبوقة في العلاقات بين الدول التي تحكمها اتفاقيات ومعاهدات وعقود تنظم هذه العلاقات، بما في ذلك العلاقات أثناء الأزمات.
عزيزي القارئ، مما لا شكَّ أنَّ القانون القطري قادرٌ وبامتياز للذود عن البلاد ورموزها وكل الكيانات المتضررة فيها ومن ضمنها اختراق وكالة الأنباء القطريَّة واتهام وسائل الإعلام القطرية بدعمها للإرهاب والمطالبة بإغلاق شبكة قنوات الجزيرة الإخباريَّة وكل وسائل الإعلام التي تدعمها قطر وغيرها من الأضرار المختلفة؛ وذلك عن طريق الإجراءات القانونيَّة الصحيحة، فدولةُ قطر؛ دولةُ مؤسسات، تحترم المعاهدات والاتفاقيات الثنائيَّة والإقليميَّة، وإنَّ هذه الأزمة أثبتت للمجتمع الدولي بشكلٍ صريح مصداقيَّة الدولة والتزامها القانوني والأخلاقي الراسخ، ومواجهتها لكل المخاطر المتربصة بها بأعلى درجات المهنيَّة والسمو، «وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ».
إعلاميَّة وباحِثَة أكاديميَّة

بقلم : خولة مرتضوي
copy short url   نسخ
26/07/2017
2643