+ A
A -
في الأيام القليلة الماضية عادت فلسطين عبر شريانها الروحي القدس لتحتل صدر الاهتمام للكثيرين من العرب والمسلمين، الاهتمام الذي لا يختلف عليه إلا أولئك الذين غادروا مربع الانصاف إلى جهة غير معلومة، فهم تماماً ينطبق عليهم القول «خرج ولم يعد». خرج الآلاف في بعض الحواضر العربية والعالمية تنديداً بما تفعله دولة الاحتلال في جزء من فلسطين له من المكانة ما لا تتسع كل لغات العالم لوصفه. ما فعلته دولة الاحتلال هو محاولة استثمار فاجر لما حدث لجنود الاحتلال في ساحة الأقصى، فسعت السلطات الإسرائيلية إلى فرض عقوبات على المصلين أولاً بمنع إقامة الجمعة للمرة الأولى منذ أكثر من خمسين عاماً، ثم أتبعت ذلك بوضع بوابات إلكترونية لتفتيش المصلين إضافة إلى وضع كاميرات مراقبة.
لا يمكن إنكار أن هذه دولة احتلال ولديها من الامكانات ما لا يتساوى مع قوة المواطنين في القدس وما حولها وهم مدنيون عُزل، لكن هذا لم ينف أن الضغط الشعبي للرجال والنساء والشباب وضع حكومة الاحتلال في حرج كبير عالمياً، حرج قد تستجيب لبعضه لكنها بالتأكيد متغطرسة كعادتها. الإرادة التي أظهرها سكان القدس والصلوات التي أقاموها على أسوار المسجد الأقصى تحكي عن قصة صمود تتعدد فصولها وتتجاوز حدود الزمان والمكان، صمود يتجاوز عجز العاجزين وخذلان المتخاذلين الذي بخلوا بالكلمة القاسية ضد المحتل، معتقدين أن المحتل لا يأتيه الضعف ولا ينال من عزيمته مدنيون عُزل.
إنها القدس قلب فلسطين أصل الحكاية وأولها وآخرها، ظاهرها وباطنها، تعود لتطرق آذان المعتقدين أن ما تواجهه الأمة من ضعف متزايد، وغلبة للفساد والاستبداد سيعطي للمحتل فرصة أن يتجاوز دون حساب ودون مساءلة. إن المدقق في تطورات المنطقة العربية خلال السبعين سنة الماضية يلمس بوضوح أن كل ما تواجهه الأمة مرتبط بشكل أو بآخر بالقدس.
إن الترويج للاستبداد والفساد مطلوب ليعمق لدولة الاحتلال، ففي حين تحاسب دولة الاحتلال رئيس وزرائها على مخالفات مالية وتقرر سجنه، يُسرق في بعض دولنا، المليارات ومعها مستقبل شعب، وربما شعوب، دون مساءلة.
حين قرر بعض العرب المطالبة في الإصلاح عبر التظاهر السلمي فيما يسمى بالربيع العربي، انتعشت معه آمال بأن ليل فلسطين لن يطول، لكن كيف يمكن أن يسمح لذلك الأمل أن يبقى، فتمت مصادرة المشروع عبر مستبدين صغار نفذوا ما ترغب به وتتمناه إسرائيل، فكانت الثورات المضادة، والعودة بالمستبدين الذين هم الأقرب لإسرائيل والذين هم المحافظون على أمنها تطوعاً لا إجباراً. لقد خسر العرب فلسطين حين خسروا قيم العدل والحق وحين تسيد عليهم المستبد والفاسد، حينها فقط فرضت إسرائيل وحلفاؤها أجندتهم عبر مراحل زمنية مختلفة وادخلوا الكثير من المجتمعات العربية في سلسلة من الدوامات غير المنتهية. قيل إن إنهاء الصراع سيجلب التنمية الاقتصادية، حصلت التنمية الاقتصادية في دولة الاحتلال وزاد الفساد والظلم في بعض بلاد العرب. قيل إن المعارضين للتطبيع لا يفهمون سياسة، وأن التطبيع فيه فوائد جمة تعليمية واقتصادية، لكن ما تبين أن المراد تطبيع لذات التطبيع، والمستفيد الأصلي هو دولة الاحتلال. حين فشل الجميع في إقناع بعض المجتمعات العربية بمبررات التسليم لجأوا إلى وضعهم في دوامات من الحيرة غير المنتهية بحيث كان الحل الأمثل لكثير من العرب هو اليأس والإحباط ومغادرة مربع العمل والإنتاج والإبداع والتحول إلى كتل بشرية سلبية هي أقرب للأنعام.
في عالم العرب المعاصر، أينما توجهت وحيثما حللت، ومهما بلغت أحلامك في التغيير نحو الأفضل، فهناك حاجة للتذكير وبشكل متكرر بأن القدس ومعها فلسطين هما أصل الحكاية!

بقلم : محجوب الزويري
copy short url   نسخ
26/07/2017
3201