+ A
A -
وسط سيناريو محكم الأداء شكلا ومضمونا، أطل أمين عام «حزب الله» اللبناني، حسن نصرالله، عبر شاشات التلفزة ليعلن انتصار حزبه وتحلل الدولة اللبنانية. معركة شنّها هو واختار توقيتها ضد «جبهة النصرة» التي يرابط عناصرها في جرود عرسال على الحدود اللبنانية- السورية منذ ثلاث سنوات. وبابتسامة عريضة أهدى نصرالله النصر إلى جميع اللبنانيين، معلنا أنه سيقوم بتسليم المواقع التي حررتها ميليشياه إلى الجيش اللبناني، مؤكدا عمليا أنه لم يكن لهذا الجيش أي دور فعلي في المعركة.
بدا نصرالله مرتاحا ومزهوا، يمارس دور المنتصر ويقول «القرار لي». يشرح كجنرال في غرفة العمليات تفاصيل المعركة والمواجهات، مستعينا بمعلومات ميدانية وضعت أمامه. وهذا من حقه لأن السلطة السياسية كانت غائبة عن الوعي، ولم تحرك ساكنا رغم إعلان نصرالله نفسه قبل نحو ثلاثة اسابيع ان وقت الانتظار انتهى وآن الأوان لوضع حد لسيطرة الإرهابيين وتهديدهم للمنطقة. وقد جاء هذا الاعلان بعد بدء سريان مفعول اتفاق وقف إطلاق النار بين روسيا والولايات المتحدة في جنوب غرب سوريا. وهو اتفاق قضى عمليا بابعاد إيران وميليشياتها عن مناطق درعا والقنيطرة والسويداء، على طريق الخط الذي تسعى إيران إلى الوصول عبره حتى بيروت.
هل أن تزامن فتح جبهة عرسال مع زيارة الحريري إلى واشنطن مجرد صدفة؟ لم يأبه نصرالله لما كان قد أسمعه الرئيس الاميركي دونالد ترامب لضيفه رئيس حكومة لبنان سعد الحريري خلال المؤتمر الصحفي المشترك عندما أشاد بموقف «الحكومة اللبنانية التي تتصدى للتنظيمات الإرهابية» مساويا بين «داعش» و«النصرة» و«حزب الله». حملة البروباغندا التي سبقت وواكبت المعركة فعلت فعلها، بالأخص التأييد اللافت وغير المسبوق في الوسط المسيحي الذي لا يتعاطف عادة مع سياسة «حزب الله». والباقي تكفل به أداء الحريري الملتبس وعدم صدور أي موقف عن الحكومة.
وليس أبلغ تعبيرا عن إرباك رئيس حكومة بلد ذات سيادة اضطرار الحريري إلى القول لاحقا: «ان ثمة خلافا كبيرا مع «حزب الله»، لكن الحكومة حيدت نفسها عن النزاع معه من أجل الاستقرار الداخلي». أو محاولته رمي الحمل والمسؤولية على الخارج كما جاء في محاضرة ألقاها بمعهد كارنيجي في واشنطن، عندما اعتبر أن «حزب الله مشكلة إقليمية وحلها يجب أن يأتي من المجتمع الدولي».
غير ان الارباك والميل إلى المهادنة لم يقتصر على الحريري وإنما طال أكثر وأشد المعارضين لـ«حزب الله» أي رئيس «حزب القوات اللبنانية» سمير جعجع الذي اعتبر ان «نتيجة معارك جرود عرسال ستكون ايجابية على لبنان بمعنى ان مجموعة القرى الحدودية سترتاح، كما ان الجيش سيرتاح..». ما اضطره لاحقا إلى إعادة تصويب كلامه.
غير ان هناك أكثر من علامة استفهام حول هذه المعركة التي خيضت ولم تخض، وحول أهدافها؟! فقد خيضت «من طرف واحد»، بمعنى أنه لم يعرف ماذا جرى حقيقة لدى الطرف الآخر. اذ ان مصدر الاخبار والوقائع كان فقط «الاعلام الحربي» التابع لـ«حزب الله». ثم كيف يتم الاعلان عن انتصار يرافقه وقف لاطلاق النار، وتتبعه مفاوضات مع الإرهابيين المهزومين أفضت إلى اتفاق يقضي بانسحاب عناصر «النصرة» إلى إدلب السورية عبر «ممر آمن». والمفاجأة الأكبر ان عدد هؤلاء العناصر مع عائلات بعض منهم يبلغ الآلاف؟!
فكيف يتم ترك هذا العدد الكبير من «التكفيريين الإرهابيين» أحرارا مقابل قيام «فتح الشام» باطلاق سراح خمسة عناصر من «حزب الله» أسرى لديها؟! كل هذا من أجل تحرير هذه البقعة الجغرافية التي تشكل عقبة ضمن سياق «الدولة المفيدة» التي يسعى إليها بشار الأسد على الخط الساحلي من دمشق لغاية اللاذقية...
إننا نتساءل لماذا لا يريد «حزب الله» ان يقاتل أيضا «داعش» المتواجد على المقلب الآخر من الجرود المطلة على رأس بعلبك والقاع، وهذا أمر لم يفعله يوما لا هو ولا إيران. ولماذا يريد ان يترك للجيش اللبناني هذه المرة ان يخوض المعركة؟ وأي صفقة وراء ما يجرى؟
بقلم: سعد كيوان
copy short url   نسخ
01/08/2017
2490