+ A
A -
في أوقات، تَخُونُنِي العِبارات.. وفي أوقات، تَخُونُنِي العَبَرات. مُقْفِر زمني، وَأَدْتُ فيه أحلامي، قبل أن تَكبرَ.. حنيني سنابِل فارغة..
فَقَدْتُ ثقتي بالرجال، ولولا أنكَ رَجُل لما اعْتَرَفْتُ بِرَجُل..
العالَم الذي يَزداد حَقارةً أَزداد وَجَاهةً فيه بِكَ.. يَسقط الرجال من عينيّ وتَكبر قَدْراً أَنتَ أنتَ..
أَعْرِف أنكَ لا تَعرِف أنني أَكْتُب ما أَكْتُبُه الآن، لكنني أُرِيد أن يَعْرِفَ العالَمُ كَمْ أنتَ شامِخ يا أَبِي، كم أنتَ نظيف داخلك في الوقت الذي يَزداد فيه أبطال عالَمي قَذارةً!
حنانكَ يا أَبِي فيه انبعاثي في كُلّ وقت وحِين.. لَوْ لَمْ تَكُنْ أنتَ هنا يا أبي لَمَا تَرَدَّدْتُ في الانسحاب من هذا الكوكب البارد العائم في فَلَك من القسوة والقسوة والقسوة..
بِكَ يا أبي مازلْتُ أُكَابِرُ، ولا أَعْلَم في أيّ فَراغ سَيَخُونُني العناد، والمكابَرة، لِأَرْحَل...
مُرٌّ عالَمي يا أَبِي وأنتَ قِطعة السُّكَّر!
تَعْرِفُ أنني لم أَتَرَبَّ على ثقافة الاعتراف بالحُبّ، لكن لأنني أَعْرِف أنكَ لا تَعرِف أنني أَكتب لك الآن ها أنا أعترف للعالَم: لم أُحِبّ رَجُلا كما أُحِبُّكَ يا أبي، وأسأل اللهَ أن تَظَلَّ شمسا وقمرا، فلا مكان لي في غيابِكَ يا أبي.
باقة أقلامكَ الزاهية التي أَهْدَيْتَنيها حديثا أُلْبِسُها ثوبَ القداسة، ولا أُرِيد لِمِدادها أن يَنتهي..
قَلَمكَ الآخَر الفاخر الذي كَتَبْتَ لي به على مُذَكّرة فاخرة في الـ 19 مارس الأخير حتى لا تَسقطَ ذكرى ميلادي من حَقيبة تمنياتِك لي (بِـ.. وبِـ.. وبِـ..) أحتفظ به مع الْمُذَكّرة في صندوقِ عجائبي، وعلى جِدار قلبي أَنقش حُروفَكَ يا أَبِي..
لم أَقُلْ لَكَ يا أَبِي إنني أَقْتَصِدُ في لَعْقِ عَسَل النحل بنكهة أعشاب الجبل (الذي فاجَأْتَني به) خشية أن يَنْفَدَ يا أبي، فلا أُريد للعلبة أن تَفْرَغَ ولا للعسل أن يَشِحّ وأنتَ الأدرى يا أبي بأنني أحتفظ بكل قطعة تأتيني ممن أُعِزّهم لأن فيها ذاكرتي وتاريخي..
ها أنتَ تَرى كيف أَنَّكَ احْتَرَمْتَ رغبتي في عدم تَلوين غرفتي رغم أنكَ جَدَّدْتَ لون البيت الكبير بحزني، لَكِن صَدِّقْنِي يا أبي فَفِي حفاظي على لون الطفولةِ هويتي ومَعنايَ في زمن اللامعنى.
كَمْ أنتَ مُبْدِع يا أبي وأنتَ تَتَفَنَّن في وَضْع لمساتك على كُلّ شيء!
عَلَّمْتَني الإتْقانَ.. علَّمتَني الإحْسانَ.. عَلَّمْتَنِي..
لن أنسى ذَوْقَكَ الرفيعَ في اختيار الكُتُب التي كُنْتَ تُحْضِرُها قبل أن أَطْلُبَها..
لن أنسى أكوابَ الشاي وقِطَع الخُبْز الْمَحْشُوَّة التي كُنْتَ تُحَضِّرُها لي بمجرد أن تُصلّي الفجرَ وكُنْتُ يومها أَسْهر إلى الصباح في رحلة العِلم..
لن أنسى دعوتَك لي إلى مقهى بريمو الفاخِر وجَلْسَتنا على الكورنيش ليلا والْمُثَلَّجات لا تُفارِقُ يَدِي.. هل كُنْتَ تُقَدِّر إلى هذا الحَدّ كَمْ كُنْتُ أَشعر بالوحدة في غياب الرَّجُل الذي يُمْكنه أن يُدخِلَ على قلبِ أنثى البهجةَ التي تَليقُ بها؟!
لأنكَ مُتَفَهِّم يا أبي كُنْتَ تَقرأ في عينيّ ما تَعْرِفُ أنني لن أَنطقَه بِفَمِي..
والآن وأنتَ تُهديني يا أبي كاميرا فاخِرة وقارئ كاسيت في واحد لَنْ تُصدِّقَ يا أبي كَمْ شَعَرْتُ بالرهبة من أن أَتْركَ كُلَّ هذه الأشياء ورائي..
قد يَكسرون قلبي يا أبي لكنهم لن يَذْبَحُوا حُبِّي..
رَصاصُهم يَكسر نَوافِذَ صَوْمَعَتي فَكَيْفَ أُكْمِلُ العِبادَةَ يا أبي.. كَيْفَ..؟!
نَافِذَةُ الرُّوح:
»لِمَنْ تُضِيءُ الشَّمْعَةُ على كَفِّ روُحي الذائِبَة؟!».

بقلم :د. سعاد درير
copy short url   نسخ
03/08/2017
2943