+ A
A -
تراجعت إسرائيل مرغمة أمام صمود الفلسطينيين والمقدسيين عن إجراءاتها بحق الحرم القدسي الشريف والمسجد الأقصى المبارك.
لأسابيع أصرت قوات الاحتلال على إجراءات مهينة لتفتيش المصلين عند بوابات الحرم، فقامت بتركيب بوابات إلكترونية،اعتبرها الفلسطينيون تدخلا مرفوضا في شؤون الحرم المقدسي وتضييقا على حق مقدس للشعب. ورأى فيها الجانب الأردني المسؤول عن إدارة الأوقاف الإسلامية في القدس محاولة إسرائيلية لتغيير الوضع القائم،وفرض وقائع جديدة تمهد لخطوات أكثر خطورة.
رابط عشرات الآلاف من الفلسطينيين عند بوابات الحرم لأيام طويلة،ورفضوا الصلاة في المسجد الأقصى. ويوم الجمعة قبل الماضية زحف ألوف الفلسطينيين إلى القدس وخاضوا مواجهات شجاعة مع المحتلين،وسقط شهداء وجرحى.
أدركت إسرائيل بعد ذلك اليوم المشهود أن مضطرة إلى التراجع،وإلا ستواجه انتفاضة فلسطينية واسعة، واحتجاجا عربيا وإسلاميا على المستوى العالمي.
وبعد محاولات يائسة،لاستبدال البوابات الإلكترونية بكاميرات مراقبة،رضخت إسرائيل لمطالب الفلسطينيين وأعادت الوضع إلى ماكان عليه سابقا.
بذلت الدبلوماسية الأردنية جهودا مضنية لإسناد مطالب الشعب الفلسطيني، ونجحت في كسب الموقف الأميركي إلى جانبها،خاصة بعد«الجمعة الكبيرة» التي كانت بمثابة جرس إنذار لوضع أكثر خطورة،وقد أدركت الإدارة الأميركية وجاهة التقييم الأردني بهذا الخصوص.
يمكن القول بكل ثقة أن أزمة الأقصى انتهت بانتصار للشعب الفلسطيني،لكن هذا ليس نهاية المطاف، ولا الأزمة الأخيرة التي تحيط بالمقدسات الإسلامية والمسجد الأقصى في المدينة المحتلة.
لقد وقعت من قبل أزمات مماثلة،وستقع مثلها في المستقبل. الخطر يحيق بالمقدسات مادامت القدس تحت الاحتلال.
ليس ثمة بديل عن العمل لإنهاء الإحتلال لإنقاذ المقدسات من براثن الاحتلال الصهيوني ومخططاته الشريرة.
قد لايبدو هذا الهدف في متناول اليد حاليا،ولهذا ينبغي الاستفادة من دروس المواجهة الأخيرة لتمكين الشعب الفلسطيني من الدفاع عن مقدساته.
أثبتت الأحداث الأخيرة أن المقدسات هي بالفعل خط أحمر بالنسبة للشعب الفلسطيني والمقدسيين.ينبغي تعزيز هذه القناعة، وتعزيز صمود المقدسيين بكل الوسائل المتاحة.
هناك الكثير الذي يمكن للدول العربية فعله لدعم صمود المقدسيين،وصون حرمة المقدسات. إسرائيل نفسها أدركت أكثر من أي وقت مضى أن الاقتراب من الأقصى يحمل في طياته مخاطر كبرى على أمنها ومستقبلها.
القدس تتعرض لعملية تهويد لاتتوقف،وسكانها يواجهون مخاطر الطرد و«الترانسفير» بمختلف الوسائل.واجب الدول العربية اليوم أن تفعل كل مابوسعها للمحافظة على هوية المقدسيين، وحماية أراضي المدينة المقدسة من البيع والتهويد.
وعلينا جميعا أن نعي بأن الصراع في القدس ليس على العبادة بل على السيادة.إسرائيل تحاول التلاعب بالحقائق، وتدعي التزامها مستقبلا باحترام حق اتباع الديانات الثلاث بممارسة شعائرهم الدينية في القدس.لكن هذا ليس لب الصراع في فلسطين والقدس. القضية المركزية هي السيادة؛هذه المدينة قلب فلسطين وعاصمة الدولة الفلسطينية وينبغي أن تكون تحت السيادة الفلسطينية. حق العبادة هنا يغدو بلا قيمة بدون السيادة.
الهبة الشعبية للدفاع عن المسجد الأقصى كانت في الجوهر دفاعا عن حق السيادة،وإلا لقبل الفلسطينيون الدخول عبر البوابات الإسرائيلية وأداء صلواتهم بيسر وسهولة.لكن لإيمانهم بأن السيادة على الحرم القدسي الشريف هي حق أصيل للشعب الفلسطيني، رفضوا الامتثال لمحاولة قوات الاحتلال فرض شروط السيادة الإسرائيلية عليهم.
على الدول العربية وشعوبها أن تعي هذه الحقائق،وتتعامل مع ماتحقق أخيرا في القدس كمكاسب يسهل البناء عليها لانتصارات أكبر تعيد القضية الفلسطينية لموقعها الطبيعي؛قضية العرب الأولى، ودونها تفاصيل.

بقلم : فهد الخيطان
copy short url   نسخ
04/08/2017
2812