+ A
A -
أسئلة الناس للساسة كثيرة.. وهذا طبيعي.. فالمجتمع في أي مكان في العالم يواجه تحديات ويبني تطلعات ويخشى عقبات يبحث لها باستمرار عن حلول، دائماً ما يعهد بالبحث عنها للدولة ولأهل السياسة.. ولا بد أن نقر من البداية بأنه لا يوجد مجتمع واحد في هذا الكون حصل من أهل السياسة على إجابات كاملة..
فهذا ليس بأمر منتظر أو متوقع وإلا لما كانت المجتمعات غيرت ساستها سواء بالانتخابات أو بالقوة.. فهم لا يغيرونهم إلا ليحصلوا على إجابات على الأسئلة التي تحيرهم وعجز من مضى من الساسة على الرد عليها.
ومن غير المتوقع كذلك أن يترك الناس بدون أجوبة حاسمة ولو على بعض الأسئلة التي تؤرقهم لفترة زمنية طويلة. من غير الطبيعي إذن أن يحصل المجتمع على إجابة عن كل شيء أو ألا يحصل على إجابة عن أي شيء. الطبيعي أن يجد ما يكفي لتهدئة قلقه وتبيان طريقه وتحديد غاياته.. لكن المجتمعات العربية تبدو بشكل عام في أوضاع غير طبيعية.. ومن دلائل ذلك أنها تسأل والسياسة لا تجيب.. ولأن عدم استجابة السياسة العربية لأسئلة المجتمع العربي أشبه بقاعدة، فإن المجتمعات العربية تواجه لوغاريتمات مؤكدة.. إذ لديها أسئلة كثيرة معقدة لا توجد لها إجابات مفهومة أو أسباب معلومة.. وها هي عينة من تلك اللوغاريتمات.
المجتمع العربي يسأل مثلاً كيف توقع الدول العربية اتفاقية للدفاع المشترك في 1950 ثم تعتدي على بعضها وتغدر ببعضها ربما أكثر ما اعتدت عليهم وغدرت بهم دول من خارج تلك الاتفاقية؟ وكيف يقول العرب إن إسرائيل عدوهم المشترك ثم يقتلون بعضهم بأرقام تفوق كل من قتلته إسرائيل منذ 1948 إلى اليوم؟.. وكيف يطبعون الآن بسرعة مع إسرائيل ويحاصرون في الوقت نفسه وبمنتهى الجدية قطر؟.. وكيف تكون اجتماعات وزراء الداخلية العرب الأكثر انتظاماً وانسجاماً ثم تنبري الدول العربية باتهام بعضها البعض بالتدخل في الشؤون الداخلية ودعم الإرهاب؟.. وكيف يمثل العرب حوالي 5 % من سكان العالم، بينما يساهمون بأقل من نصف بالمائة من إجمالي النشر العلمي العالمي؟.. وكيف يمتلئ تاريخ أكثر دولهم بالثورات ويعجزون إلى اليوم عن إرساء شعار واحد لأي ثورة أشعلوها؟.. كيف يزداد عددهم سنوياً بحوالي تسعة ملايين نسمة ومع هذا تتفوق على مجموعهم البالغ 400 مليون ومساحتهم البالغة 14 مليون كيلو متر مربع دول أصغر حجماً مثل فرنسا وإسبانيا، بل وسنغافورة؟.. وكيف أنهم لا يحصلون إلا على حصة تقل عن واحد بالمائة من عائدات التجارة الإلكترونية العالمية البالغ حجمها 1.5 تريليون دولار؟.. وكيف ترتب على ربط الدين بالسياسة لديهم سواء من المعارضة الإسلامية أو الحكومات القائمة كل هذه المجازر والمآسي ثم تتواصل النداءات بينهم لربط الدين بالسياسة؟ إنها كلها وكثير غيرها من اللوغاريتمات والأمور غير المفهومة.
ولوغاريتمات المجتمعات العربية بلا سقف.. ليس لها حد أو عد.. اقتصادية وسياسية ودينية وثقافية وعسكرية ورياضية وفنية وكل ما يمكن أن يذهب إليه عقل.. أسئلة يطرحها الناس ولا تهتم السياسة أو ربما لا تعرف كيف تقدم عنها إجابةً. وهي لا تجيب المجتمع عن أسئلته إما احتقاراً أو تجاهلاً له أو استهتاراً واستخفافاً به أو اعتقاداً ربما في أنها قدمت له الإجابات الشافية.
ومشكلة الإجابات الناقصة أو الغامضة أو الغائبة أنها تدفع المجتمع إلى محاولة الإجابة عليها بنفسه.. وإجابات المجتمع عادةً ما تأتي بطريقة تفتح الباب للوغاريتمات جديدة.. فعلى سبيل المثال تذهب إجابات المجتمع بسرعة إلى نظرية المؤامرة وتفسير كل ما يستعصى عليهم بها، بينما لا يمكن لهذه النظرية أن تقدم إجابةً شافية عن أي سؤال بل وتزيد الغموض لبساً وإثارةً.
الطرفان معاً، الدولة والمجتمع أو السياسة والناس، يزيدان اللبس لبساً والغموض غموضاً.. فما كان يفترض أن تقدمه السياسة للناس أهملته وما كان يفترض أن يتحفظ الناس في اللجوء إليه أسرفوا فيه. ووقع لذلك الفأس في الرأس فباتت حياة العرب تغص باللوغاريتمات التي أحياناً ما نجد بعض العامة يعبر عنها بطريقة مثيرة للتهكم مثل التساؤل «حد فاهم حاجة؟» أو «هو إيه الموضوع؟» أو مين عمل إيه لمين إمتى وإزاي؟».. والحياة لا يمكن أن تستقيم أو تستقر لو ظلت اللوغاريتمات وليس الإيضاحات أساس العلاقة بين السياسة والمجتمع.. فالمجتمع يسأل والسياسة لا تجيب.. أن يسأل المجتمع ثم تتجاهله الدولة بل وأحياناً تسكته بالقوة لو سأل لأمر جلل لا يمكن أن يدفع بالسياسة والمجتمع إلا لدخول دائرة أوسع من اللوغاريتمات.

بقلم : د. إبراهيم عرفات
copy short url   نسخ
14/08/2017
2692