+ A
A -
بالتأكيد لستُ سيجارةً، لكنني لا أختلف عنها كثيرا، فكِلانا لا يَحتاج إلى قوة لإشعاله، وكلانا يَنْطَفِئ كما ينطفئ الأملُ.
تَصرخ دواخلي، الآن، كما يَصرخ قاع نقطةٍ (مِن بحر) مُهَدَّدَةٍ بانفجار غاز الميثان، ولا أَجِدُ تفسيرا لِمَنْ يُريد احتلال امرأةٍ عبر امتلاكها بالقوة كتُحفة قد تُؤثِّثُ غارَه الْمُسَمَّى دارَه..
ما نُناضل مِن أجل تحقيقه على أرض الواقع، وما نُدافع عنه، هل من العدل أن نَقبل مَن يأتي للتفاوض بشأنه انتهاءً إلى إرغامنا على اتخاذ قرارات مصيرية تُعيدنا إلى زمن العبودية؟!
خَسرتُ عُروضَ ارتباط مُشَجِّعَةً جاءَتْ من أربع قارات، فقط لأنني أستميت في التمسك بحقي الطبيعي في العمل (دون قيود أو مضايَقات) والكتابة، وأرفض الإنجابَ لأسباب لستُ في حاجة إلى إقناع رَجُل بها، وأعتبرها مسألة حرية شخصية، إما أن يَقبلها دون قَيْدٍ، وإما أن يَرفضها دفعة وأتقبل رفضَه بأريحية..
ربما أَصْل الحاجزين رغبتي في تسييج محيط حياتي الضيقة باختيارات سابقة لا مجال للتمرد عليها. لكن المشكلةَ عند الرجُل (بِغَضّ النظر عن انتمائه المكاني) هي الرغبة في التَّمَلُّك، وأخطر ما في التملك أن يُسَيْطِرَ الآخَر على عقلك ويَسعى جاهدا إلى تغيير خَطّ التفكير الذي عليه أنتَ تَسير، فيُمْلي عليكَ ما يُرضيه وتَطرب له روحُه الأنانية الْمُبَيِّتَة لأكثر مِن نِية..
أليس من الأنانية أن أَرسمَ الوجهَ الْمُضيء للقمر، ويُلْقى عليَّ باللائمة عندما أُلَوِّن ثغرَ الشمس بلون الحُبّ؟! أليس من الأنانية أن أُرْغَمَ على وصف الربيع بجلباب الخريف؟! أليس من الأنانية ألاَّ أغازِلَ الوردَ وقد شَغفني عِطرُه؟! أليس من الأنانية أن يَرفضَ الآخَرُ ذوبانَك في لوحة طبيعية تَشهَد الأرضُ والسماء بسِحرها، وكيف لكَ أن تُلام، على الإعجاب بِشَدْو الحَمَام، أو تَتركَ نسيمَ الصباح لِيَرحَل مَجروحا وقد وخزَتْه شوكةُ غَفْلَتِكَ عن أن تَقبضَ عليه في بيت شعري يَنحني له الذَّوَّاق الذي لا تَغيبُ عنه لمسةُ البريق والإشراق؟!
قد أَتَّفِقُ معكَ يا صديقي على أنني غَرَّدْتُ خِلافاً للسِّرْب، لكنني لَمْ أَرْضَ يوماً بأن أَكُون تحت رحمة أَحَد فأَسْتَجْدي عَطفَه وتوصياتِه.
أَصْطاد (ملء الاجتهاد) السمكةَ التي لا تَنْقاد، لكنها تُرضيني مهما صَغرَتْ ومهما تَجَبَّرَ البحرُ، ولا أنتظر مَن يَمنُّ عليَّ كُلّ يوم بواحدةٍ جاهزة وكأنني عاجِزة..
نشوة ما بعدها نشوة أن أُقيمَ عند شواطئ الليل لأَحْلبَ الموجَ الهاربَ وأَضْفِر جدائلَ الحنين..
وحده الحِبْرُ يَختلي بي لِنَفْتَحَ نافذةَ الروح، ونَكتب مَعاً قصيدةَ الزمن، ونُؤَلِّف كتابَ الحياة بعيدا عن صُداع الفيس والتويتر والسناب شات..
نَافِذَةُ الرُّوح:
«وَجَعِي يَحتاج إلى خريطة لِتَحديد مَواقِعه».
«دَعْ حِصانَك يَصْهَل بعيدا عني يا زمن الخيانة.. تَعْرِفُ أنني لا أُبَاعُ».
«دَرَّبْتُ قلبي على الفُقْدان.. لهذا لا يَختلف غيابُكَ عن حُضورِكَ».
«الوَرْدُ المجروح.. مَنْ باع عِطرَه؟! مَنْ سَرَقَ فُستانَه البَهِيّ وعَرَّاه؟!».
«الأَيَّام قَنَّاصٌ ماهِر».
«بَيني وبين الأمل مسافاتٌ سِياطُها تُلْهِبُ الجَسَدَ الْمُقَاوِمَ لِعَوامِل التَّعْرِية».
«قالَ لي: كَيْفَ أَرَاكِ؟! قُلْتُ: في مِرْآةِ الشَّوْق الْمَشْروخة، أو بين دَمْعَتَيْن، أو على ضِفاف نَهْرِ الحنين..».

بقلم : د. سعاد درير
copy short url   نسخ
17/08/2017
2939