+ A
A -
المتناقضات التي وقعت فيها دول الحصار وبالأخص السعودية في أزمتها مع قطر كثيرة أبرزها أنها طالبت الدوحة بشيء وفعلت نقيضه تماما.
أود الاشارة بأن احد المطالب الرئيسية التي طالبت بها دول الحصار من ضمن المطالب الـ13 لقطر، أن تعلن الدوحة رسميا خفض التمثيل الدبلوماسي مع إيران وإغلاق البعثات الإيرانية الرسمية لديها مع الاحتفاظ بتبادل تجاري تحت المراقبة، فقد اعتمدت دول الحصار على حجّة «علاقات قطر العميقة بإيران»، كإحدى ذرائعها لقطع علاقاتها مع الدوحة، بينما تقوم اليوم بالتقرّب رسمياً من إيران، عبر طلب الوساطة من العراق.
بالأمس يطالبون قطر بتخفيض علاقتها مع إيران، واليوم يوسّطون العراق لإعادة العلاقات بين السعودية وإيران ..!! ومن الأسباب أيضاً تهمة دعم قطر للحشد الشعبي وهم يستقبلون قادته استقبال الأبطال وبالأحضان..!هل يجوز فرض الحصار على دولة قطر، بسبب هذه المزاعم، بينما يهرول المحاصرون لطلب ودها. وفي الوقت الذي تتقدم فيه الإمارات صفوف دول الحصار التي تطالب قطر بقطع العلاقات مع إيران، نجدها أول الدول التي تحتفظ بعلاقات قوية مع طهران، حيث لم يقتصر التعاون بين البلدين على العلاقات الاقتصادية، بل امتد ليشمل العلاقات السياسية والاستراتيجية والعسكرية.
أول فصول العلاقات الاستراتيجية مع إيران وحلفائها في المنطقة زيارة زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، إلى السعودية والإمارات، والعلاقة مع الإمارات لخصها وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد في أبريل عام 2014، حين قال إن إيران شريك استراتيجي لدولة الإمارات، لا يقتصر الأمر معها على التجارة والعلاقات الاقتصادية فحسب، رغم أهميتها، بل يعود إلى روابط ثقافية وحضارية مشتركة.
إيران بالفعل شريك استراتيجي للإمارات، سياسيا واقتصاديا، رغم الخلاف مع معظم دول الخليج، ورغم احتلال إيران 3 جزر إماراتية منذ عقود. العلاقات الإماراتية الإيرانية تعبر عن حالة انفصام وتناقض واضح للجميع، فرغم التنافر الظاهري بين البلدين، نجد تقاربا سياسيا قويا وتعاونا اقتصاديا لا مثيل له في الخليج. ولا يكاد يمر اجتماع سياسي خليجي أو دولي تشارك فيه الإمارات إلا وتطالب الأخيرة بتحرير جزرها الثلاث التي تحتلها إيران، لكن في الوقت ذاته تكاد لا تمر مناسبة يلتقي فيها مسؤولون من البلدين إلا ويؤكد كلا الطرفين رغبتهما في تطوير العلاقات وتنميتها.
وفي أكثر من تصريح للأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي أكد مراراً وتكرارا أنه لا يمكن حدوث أي تقارب مع النظام الإيراني، بحكم أنه يستخدم حكم ولاية الفقيه، كما أنه يأتي مرة برئيس معتدل وأخرى برئيس متشدد.!
وأود أيضا الإشارة إلى تصريحات وزير الداخلية العراقي الأعرجي، التي أكد فيها أن المملكة هي من طلبت وساطة العراق مع إيران، وأن الرياض لم تستشر دول الخليج في مسألة إعادة العلاقات مع طهران، وإن هذا يعكس أن هناك تغيرات كبرى تحدث. ناهيك التغريد خارج السرب في مطلع 2015، ورغم الخلاف السعودي- الإيراني في أزمة النفط، كانت الإمارات تغرد خارج سرب الخليج؛ حيث وقعت أبوظبي وطهران مذكرة تفاهم مشتركة، تتضمن 17 بندا حول تسهيل تأشيرات الدخول والإقامة بين البلدين؛ بالإضافة إلى مواصلة التعاون القضائي في مجال مكافحة المخدرات..!!
ألا يعتبر انبطاح السعودية لإيران خيانة للبحرين، أم البحرين لم تنتبه لجارتها السعودية وتعشق خيانة السعودية لها وتكره نزاهة قطر؟؟
ما أسباب التخبط الحاصل في السياسة السعودية والاماراتية، وعن مدى شرعية طلب الوساطة السعودية من العراق، تخبط غير مسبوق بالأخص في تاريخ سياسة السعودية لأن «العراق هي إيران».
هل تخلت المملكة عن الملف السوري مقابل تقاربها مع إيران وروسيا على حساب دماء أهل السنة في سوريا ثم تدعي حرصها على الإسلام..!؟؟
تحركات دول الحصار، مقتدى الصدر للسعودية ثم الإمارات ثم مصر بدعوة منهم، وزير خارجية البحرين إلى العراق، ما أهداف هذا الانبطاح.!!؟؟
يذكر أن آخر زيارة قام بها «مقتدى الصدر» للسعودية كانت عام 2006، وعقب الزيارة الأخيرة، قال الزعيم الشيعي، إنه بحث مع السلطات السعودية افتتاح قنصلية عامة للمملكة في النجف، تسهّل التواصل بين البلدين، إلى جانب المسارعة في إنشاء خطٍّ جوي، وافتتاح المنافذ الحدودية، لتعزيز التبادل التجاري..!!
إن الشيء الطبيعي والمنطقي هو قيام افضل العلاقات فيما بين الدول، خاصة دول الجوار، إذ أنه عبر علاقات حسن الجوار يمكن التوصل إلى حلول للكثير من القضايا العالقة، ولا يزعج قطر على الإطلاق تحسن العلاقات بين دول المنطقة، وفي كل الأحوال فإنها لاتتدخل بعلاقات الدول، لكن أن يفرض علينا آخرون طبيعة العلاقات التي يتعين أن نقيمها وحدودها وشكلها، فإن ذلك يدخل في صميم السيادة القطرية، وعندما نتحدث عن الهرولة السعودية باتجاه إيران فليس من باب معارضة وجود علاقات طبيعية بين البلدين، فهذا شأن سيادي يخصهما، ولكن من باب مقارنة مافعلته دول الحصار وهي تحاول إملاء سياساتها على قطر فيما يخص العلاقات مع إيران وما تفعله اليوم وهي تخطب ودها عبر الوسطاء الإيرانيين.
أخيرا.. آمل في أن يصب هذا التقارب في صالح تهدئة المنطقة، ولكن في الوقت ذاته لا يجوز محاصرة قطر بحجة أنها عميلة لإيران، ثم يهرولون طالبين ودها.
بقلم : عبدالله المهندي
مدير التحرير
copy short url   نسخ
17/08/2017
4732