+ A
A -

حلب تحت النار. حلب المدينة العابقة بالتاريخ والحضارة، المدينة الكوزموبوليتية، تحترق. إنها تعيش أسوأ أيامها منذ اندلاع الثورة السورية. القصف يطالها من كل الجهات ويحصد خمسين قتيلا في يوم واحد. هل ان وجودها على مفترق تقاطع وتشابك اقليمي جيو- استراتيجي، يجعل منها «كبش محرقة» وعنوانا لمناورة كبرى على مذبح مصالح الدول الكبرى، وعلى حساب الحل السياسي المنشود الذي ينقذ سوريا وشعبها ويحفظ وحدتها؟

المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا يطالب الرئيسين الاميركي والروسي اوباما وبوتين بالتدخل، ويضع وثائق سرية «تطبيقية» لقرار مجلس الأمن الدولي 2254 - الذي ينص على حل سياسي للأزمة وتشكيل هيئة انتقالية للحكم- يلحظ فيها امكانية بقاء الأسد.

وهذا طيران النظام السوري (أو بالأصح الطيران الروسي) يدك المدينة بالصواريخ والقنابل المدمرة، ويستهدف عمداً مستشفى القدس الذي يديره «أطباء بلا حدود» ويقتل أطفالا وأطباء، ويحيله إلى ركام بحسب ما أفاد وزير الخارجية الاميركي نفسه جون كيري، الذي اكتفى بالتعبير عن «غضبه»، رغم تأكيده أن سبق للأسد أن استهدف منشآت إنسانية مماثلة! وفي المقابل، يحمّل كيري موسكو مسؤولية الضغط على النظام السوري للالتزام بتطبيق قرار مجلس الأمن، في ما زميله الروسي سيرغي لافروف «يتهم» واشنطن بعدم التخلي عن هدف الاطاحة عسكريا بالنظام..

فماذا ابتدع الطرفان؟ «نظام الصمت» وهو كناية عن هدنة مؤقتة، وليس وقفا فعليا لاطلاق النار، في بعض المناطق مثل الغوطة الشرقية ودمشق فقط، من دون ان تشمل حلب. هدنة جعلوها أيضا «اختبارية» لأربع وعشرين واثنتين وسبعين ساعة. ربما لاختبار مدى التزام الناس بها؟!

ويبدو ان النظام «السيادي جدا» قد بدأ يمارس التكتيك الروسي. يجلس على طاولة المفاوضات في جينف، ويعلن رئيس وفده بشار الجعفري رفضه أي بحث في مصير «سيادة الرئيس» ويتكلم عن محادثات «مثمرة وبناءة»، وفي الوقت عينه يبدأ جيش النظام التحضيرات لمعركة حلب. يحتج وفد «ائتلاف المعارضة» وينسحب من المفاوضات، فيعتبر دي ميستورا الخطوة «استعراضية». وتدعمه روسيا عبر مطالبتها باستئناف المفاوضات بمن حضر أي مع «المعارضين» الذين يدينون بالولاء لها.

وبعيدا عن الفولكلور، فان الأسد كان قد وافق على العودة إلى جنيف مرغماً، وحاول التنصل منها، أو تأجيلها على الاقل، عبر الاعلان عن تنظيم انتخابات برلمانية. ولكن تكتيك «المايسترو» الروسي لم يكن يسمح بذلك، اذ بعد ان أخلى الأميركي الساحة له كان المطلوب من «الثعلب الروسي» إظهار مدى جديته ومصداقيته في السعي للتوصل إلى تسوية بعد الانجازات العسكرية التي حققها على الارض، منذ تدخله في نهاية سبتمبر الماضي. كما ان موافقة المعارضة على المشاركة من دون شروط أفشلت مناورات النظام.

وكما حاول بوتين جر المعارضة على وقع القصف إلى جنيف لفرض شروطه عليها، والالتفاف على مندرجات قرار مجلس الأمن، يحاول الأسد اليوم عبر معركة حلب الافلات من شباك القرار 2254 الذي يتم التفاوض على أساسه، والذي ينص على إنشاء مرحلة انتقالية من دونه، عبر العودة إلى الخيار العسكري وتطيير «جنيف 3»، مدعوماً هذه المرة على الأرجح من موسكو.

فماذا يفعل الروس اليوم؟ يجمعون قواتهم وينقلون مدفعيتهم الثقيلة إلى حلب، بعدما كانوا أعلنوا انسحابهم بشكل أساسي من سوريا، ونجحوا في فرض وقف اطلاق النار والذهاب إلى جنيف. تثبت الوقائع ان موسكو ما زالت تمارس سياسة المراوغة والخداع، فقد أعلنت عند تدخلها انها أتت لـ «محاربة الإرهاب» ولكنها لم تركز هجماتها الا على مواقع المعارضة (5 آلاف قتيل في ستة أشهر أكثر من نصفهم من المدنيين)، واستمرت في غاراتها الجوية وقصفها المدفعي دعماً للنظام. يقول كيري إن «الاميركيين ليسوا أغبياء»، وانهم لن يقفوا متفرجين، ولكنهم ماذا فعلوا حتى الآن؟ أعلنوا عن ارسال 250 جنديا(!) وابتدعوا هدنة «نظام الصمت». فيما روسيا تحاول كسب الوقت والاستفادة من سياسة الانكفاء الاميركية قبل وصول رئيس جديد إلى البيت الأبيض.

إنها فعلا «انظمة الصمت» المريب!

سعد كيوان
copy short url   نسخ
03/04/2016
2290