+ A
A -
مشروع الاستفتاء على الاستقلال في كردستان العراق، خطوة ذات أبعاد كُبرى حال تم المضي به، والوصول إليه في الخامس والعشرين من سبتمبر 2017 القادم، وهي خطوة غير محسوبة بدقة على الأرجح، بل وفيها شيء من المُغامرة، وقد تودي بالموضوع الكردي شمال العراق إلى مساربَ لا تُحمد عقباها في ظل التوافق الإقليمي والدولي على رفض تلك الخطوة التي أعلنت عنها حكومة كردستان العراق.
فالعديد من القوى الدولية المؤثرة وعلى رأسها واشنطن تتحفظ على موضوع الاستفتاء الكردي في شمالي العراق، بل وتخشى من أن يُشعِلَ الاستفتاءِ صراعاً جديداً مع بغداد وربما مع دولٍ مجاورةٍ، وفي مقدمتها تركيا، ويصرف الانتباه عن الحرب الدائرة ضد الإرهاب في العراق وسوريا، حيث تُعتبر الجغرافيا السياسية الحالية لإقليم كردستان العراق، والمواقف السلبية التي تتخذها الدول الإقليمية تجاه استقلالية الأكراد في تلك المنطقةِ ضرباتٍ إضافيةٍ بحق مشروع الاستقلال الكردي، وهو المشروع الذي تَصِفَهُ تلك الدول الإقليمية بمشروع الانفصال عن الحكومة المركزية في بغداد. إن التلاقي التركي الإيراني الآن، بما في ذلك التلاقي العسكري يفسر ما ذهبنا إليه أعلاه.
إن من الملاحظاتِ التي يراها الكثيرون بأنها لا تُشجع على عملية الاستفتاء في كردستان العراق، أن المنطقة بأسرها بما فيها مناطق الأكراد شمال العراق تهتز بفعل المُتغيرات اليومية التي تشهدها تلك المساحة الجغرافية المحصورة بين العراق وسوريا وتركيا، حيث الحرب اليومية ضد تنظيم داعش وتنظيم جبهة النصرة المنضوي تحت عنوان «هيئة تحرير الشام» في سوريا.
ومن جانبٍ آخر، إن التجربة الحكومية الكردية في إطار الحكم الذاتي شمال العراق لم تَكُن موفقة أصلاً في أدائها العام خلال العقد الأخير، خصوصاً بعد ولوج القيادة الكردية في الشمال العراقي بمتاهاتِ اللعبةِ الإقليميةِ في تلك المنطقةِ الحساسةِ التي تجري على أرضها صراعاتٍ ذاتِ أبعادٍ استراتيجيةٍ، فالولوج الكردي في تلك المتاهاتِ تكرار للمُكرر في التجربة الكرديةِ الأليمةِ، حيث دفع الأكراد أثمانا باهظة في تجاربهم السابقة، وكانوا على الدوام «يخرجون من المولد بلا حمص» على حد تعبير المثل العربي الشائع. عدا عن التجاوزات التي سجلتها الحكومة المركزية في بغداد بحق حكومة الشمال، والتي دفعتها لقطع أجزاء من الحصص المُخصصة من الميزانية للشمال، وتحديداً بعد إقدام حكومة الشمال على تسويق النفط عبر تركيا بشكلٍ منفرد بعيداً عن المركز، عدا عن سوء الإدارة مع بلوغ قيمة الديون المترتبة على حكومة إقليم كردستان نحو 25 مليار دولار.
وعلى المستوى الكردي العام، إن شعور الإحباط المتنامي في مناطق كردستان العراق، قد يكون نذير شؤم بالنسبة إلى الاستفتاء العام حول استقلال كردستان، حيث تململ الناس وقيام عدة تظاهرات من حينٍ لآخر، ودعوة قادة حكومة إقليم كردستان إلى التنحي وحل الحكومة، حيث المُحفّزات الأساسية للتظاهرات تنبثق من الإخفاقات التشريعية والعملية الكبيرة للحكومة الكردية في الشمال العراقي وتردي الوضع الاقتصادي وانفلات التهريب وتنامي الظواهر الميليشياتية. وهنا يعتقد البعض بأن إقدام مسعود البرزاني وجلال الطالباني والحزبين الكبيرين (الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب الاتحاد الوطني) على إعلان مشروع الاستفتاء قد تكون محاولة لاستعادة التفاف الشارع الكردي حول حكومة الشمال المركزية والحزبين الكبيرين. وعليه، إن المعطيات الواقعية، تُشير إلى بأن الصعوبات الكبرى مازالت تعترض طريق المشروع الكردي للاستقلال عن بغداد في الشمال العراقي، فالمناخ العام لا يساعد على الإطلاق على مشروعهم للانفصال عن العراق بكيانٍ تام الاستقلال، والإصرارِ على السيرِ بهذا الطريق كالسيرِ على حد السكين، وهو ما يقتضي أهمية التعقّل من قبل القيادات الكردية في الشمال العراقي، والانطلاق نحو خياراتٍ أنجع وأكثر براغماتية من أجل مصلحة أكراد العراق في إطار وطنٍ واحدٍ وموحّد، وحكم ذاتي مُتقدم لهم في الشمال، وتطوير أداء حكومتهم وبرلمانهم الخاص.

بقلم : علي بدوان
copy short url   نسخ
25/08/2017
2480