+ A
A -
بعد أن حفروا عميقًا في أرضها، كانت الآثار التي تنتظر أن يجدها أحد تريد أن تخبرنا من هي أقدم مدينة في التاريخ. كان هذا قبل الآشوريين والآكاديين، وقبل أن يسميها البابليون «حلبا» لأول مرة، وقبل أن تصبح منطقة نزاع بين الحيثيين وملوك مصر والميتانيين. القلعة المنيعة التي يقال إنها من آثار الإسكندر المقدوني، كانت تارة حصنًا، وتارة معبدًا، وتارة ملجأ هرب إليه الأهالي حينما جاء الفرس الساسانيون بالدمار والنار للمدينة الجميلة.

عام 637 وقف خالد بن الوليد بجيوشه على أحد أبوابها، انتزعها من فم الساسانيين لتبدأ تاريخًا جديدًا، مجدًا لامعاً من الحضارة والثقافة والفكر. مساجد مزخرفة، عمارة فائقة، أزقة جذابة للفنانين والشعراء والأدباء حتى قال عنها المتنبي:

كلما رحّبت بنا الروضُ قلنا

حلبٌ قصدنا وأنتَ السبيل

ما لبثت تشرق بالجمال والمعرفة حتى حاصرها الرومان عام 353 ه، أحرقوها بالنار وشردوا أهاليها، كادت تضيع حلب، لولا أن انتشلها المسلمون من جديد، الحمدانيون تحديداً الذين بعثوا فيها الحياة من جديد وأنعشوا فيها الحياة. عام 2016 عادت حلب لتحترق من جديد، وعاد أهلها للتيه والفوضى. إيران مجدداً، بكسرى جديد، وروسيا بحانبها لا يجيئون إلا بالدمار والنار. بالدمار والنار فقــط. لم نقرأ هذا في صفحات التاريخ الصفراء، ولا مجال للخيال كما يزعمون، رأينا أطفالاً يتعانقون على الأنقاض، مستشفيات تتهدم فوق المرضى الذي يرغبون فقط في العلاج والقضاء على الألم، رأينا عجوزاً يبكي وهو يتربع على سقف بيته، بيته الذي صار نعشا لكل عائلته! رأينا خبزا ملوثا بالدم، متناثرا على الإسفلت المحطم، رأينا وجوها حلبية حزينة تفكر في خالد بن الوليد على أحد أبوابها من جديد. لطالما أرادوا تدميرها، ولطالما قيض الله لها كفًا وحبل نجاة. هكذا قدر الجمال أن يصبح مطمعًا للوحوش وعديمي الإنسانية.

بقلم : كوثر الأربش

copy short url   نسخ
05/05/2016
2197