+ A
A -
ما أكثر الهدايا التي تقدمها قطر للعالم، وأحدثها ولن يكون آخرها ميناء حمد، الذي تفضل حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى حفظه الله ورعاه، فشمل برعايته الكريمة حفل افتتاحه أمس الأول في منطقة أم الحول، والذي تهديه دولتنا إلى العالم في زمن الحصار الجائر، صرْح حضاري تجاري قائم على مساحة كبيرة، ويعتمد على أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا في عمليات النقل والشحن والتفريغ والتفتيش والتخزين، وتنشيط التبادل التجاري وتجارة الترانزيت على المستويات العالمية، فحسبما نشر حوله من تحليلات فإنه سيستقطب 27 % من حركة التجارة في إقليم الشرق الأوسط، ومن المتوقع- حسب آراء بعض الخبراء- أن يحيل هذا الميناء جبل علي في دبي بالإمارات العربية المتحدة إلى التقاعد، أو يصيبه بالشلل التام بعد الاهتراء الكبير الذي أصابه من كل النواحي.
لن أستفيض في الحديث عن مميزات هذا الميناء وأوجه تفوقه على بقية الموانئ في المنطقة وفي العالم أجمع، فقد توسعت وسائل الإعلام العالمية منذ افتتاحه أمس الأول في شرح هذه التفاصيل، فضلاً عن الجوانب التقنية ودوره في التجارة العالمية، ولكني أتطرق إلى دلالات إنجاز المشروع في وقت قياسي رغم الحصار الجائر، ورغم هذه الأزمة التي كانت المنطقة في غنى عنها منذ البداية.
لقد سبق أن كتبت مقالاً ضمن باب «في رحاب الوطن» بعنوان «لنا الإنجازات ولكم الفبركات»، ولم يكن ذلكم المقال نوعاً من الدعاية الإعلامية التي تقوم على التضخيم والمبالغة في الوصف، ولكنه كان شرحاً لواقع أخذت قطر ترسمه وتصنعه وتعيشه منذ وقت، وأخذت وتيرته تتسارع منذ بدء الحصار الجائر الذي فرضته الدول الشقيقة على شعب قطر، واستجابة لتوجيهات قائدنا وملهمنا «تميم المجد»، حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني حفظه الله ورعاه، في خطاب الثبات بقول سموه: «نحن بحاجة للاجتهاد والإبداع والتفكير في المستقبل والمبادرات البناءة والاهتمام بالتحصيل العلمي في الاختصاصات كافة، والاعتماد على النفس ومحاربة الكسل والاتكالية».. هذه العبارات والتوجيهات السامية أخذت تجد طريقها إلى النور لتكون واقعاً معاشاً، فلولاها ولولا الظروف التي نمر بها خلال الأزمة الحالية لربما تأخر افتتاح الميناء وتأخر دخوله الخدمة عن الموعد الحالي.
لعل دول الحصار اقتنعت الآن بأن شعب قطر لا يعرف المستحيل، وأنه هو من يسطر التاريخ ويصنع المعجزات، فهذا الميناء قد افتتح قبل موعده الذي كان مقرراً له، وبميزانية أقل من التي حددت له، مع أن المنطق يقول عكس هذا، المنطق والوضع الطبيعي يقتضيان تأخير افتتاح الميناء عن الموعد الرسمي، كما يقتضيان ارتفاع قيمة التكلفة بسبب الحصار، وهكذا كانت تخطط أوكار التآمر، ليس لعرقلة مشروع كهذا فحسب، وإنما لعرقلة كل المشاريع العملاقة في قطر، لكن غاب عن هؤلاء أن الإنسان القطري أصبح قادراً على قهر المستحيل بفضل القيادة التي حباه الله بها، قيادة حققت له كامل السيادة، ووضعت البلاد على طريق الريادة، وفجرت الطاقات الكامنة لدى أبناء قطر، لينظر إليهم العالم وهم يصنعون المستقبل بكل إعزاز وإعجاب، في الوقت نفسه الذي تعاني دول الحصار خلاله الغرق في مستنقعات الأكاذيب والفبركات والتضليل والافتراءات.
لنتذكر ونحن نعيش أجواء الاحتفال بافتتاح هذا الميناء قول أميرنا: «نحن مدعوون لفتح اقتصادنا للمبادرات والاستثمار بحيث ننتج غذاءنا ودواءنا وننوع مصادر دخلنا»؛ إذ تعتبر هذه الجملة كلمة السر لتحقيق الاستقلالية، وهي الحصن الحصين من أي مغامرة يقدم عليها الأشقاء مستقبلاً، فلا نستبعد منهم تكرار هذا الإجراء البغيض، لذلك نحن الآن في مأمن بعد افتتاح هذا الميناء، الذي يحمل اسماً غالياً علينا جميعاً اسم حضرة صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، متعه الله بالصحة والعافية وجزاه عن شعب قطر خير الجزاء، سوف يمكننا من التصدير والاستيراد مباشرة مع تدشين الخطوط الملاحية بينه وبين موانئ مشهورة في سلطنة عمان والهند وتركيا، وستتبعها خطوط ملاحية أخرى بين ميناء حمد وعدة موانئ في باكستان وماليزيا وتايوان.
قطر وإن كانت مساحتها قليلة مقارنة ببعض الدول، فإن آمالها وأفعالها كبيرة غير محدودة بفضل توجيهات قائدنا وملهمنا «تميم المجد»، تتفوق في إنجازاتها على تلك الدول التي تتباهى وتفاخر باتساع رقعتها ومساحتها، وهي تعلم أنه لم تعد المعايير التي يقاس بها تقدم الدول ورقيها عدد السكان أو المساحة بالكيلو مترات، وإنما ما تساهم به في مسيرة الحضارة الإنسانية، وقوة اقتصادها ومستوى دخل الفرد فيها، وإنجازاتها الموجودة على أرض الواقع، لا تلك الإنجازات غير الموجودة إلا في الشعارات الكاذبة التي تخدع بها دول الحصار شعوبها.
فإذا كانت دول الحصار قد أعماها الحقد والحسد من نجاح قطر في استضافة كأس العالم 2022 فكيف سيكون حالها وهي تشاهد هذا الصرح الحضاري الاقتصادي الكبير؟ علماً بأنه ليس آخر الصروح الحضارية في مسيرة قطر الحديثة، وإنما هناك مشاريع عملاقة أخرى ستفاجئ بها العالم، ولكن سياسة قطر في هذا النهج أنها لا تتحدث عن مشروع أو إنجاز إلا بعد تمامه.
نتمنى على دول الحصار أن تفهم وتعي أن حصار الشعب القطري لن يثنيه عن طموحاته ولن يجعل قطر تركع، أو تفرط في سيادتها واستقلالية قرارها، بل لم يعد سراً أن كثيراً من أبناء قطر أصبحوا يعتقدون بأن الحصار كان فاتحة خير عليهم، فقد عرفوا من خلال الواقع قوة صمودهم وحب قيادتهم لهم، وازدادوا اعتزازاً على اعتزاز لقائدهم، وفخراً على فخر بوطنهم، ولايزالون يعملون من أجل قطر، فهي، كما قال قائدنا،: تستحق الأفضل من أبنائها.
بقلم : آمنة العبيدلي
copy short url   نسخ
07/09/2017
2675