+ A
A -
أجرت كوريا الشمالية تجربة ناجحة لقنبلة هيدروجينية، ذكرت مصادر مستقلة أن قوتها تعادل خمسة أضعاف قوة القنبلة النووية التي ألقتها الولايات المتحدة على هيروشيما عام 1945، وقالت إنها طورت من حجمها وشكلها لتصبح قابلة للتحميل على صواريخ باليستية عابرة للقارات. معنى ذلك أن كوريا الشمالية أصبحت الآن في عداد الدول النووية، لأن بوسعها اليوم ليس فقط إنتاج أسلحة نووية مختلفة الأنواع والأحجام، ولكن أيضا الوسائل القادرة على حملها إلى مناطق بعيدة عن حدودها.
بعبارة أخرى يمكن القول أن كوريا الجنوبية واليابان وربما الأراضي الأميركية نفسها أصبحت في مرمى النيران النووية لكوريا الشمالية، وهذا هو بالضبط ما سعت الولايات المتحدة على مدى عقود طويلة لمنع وقوعه، لكنها فشلت.
كانت كوريا الشمالية، ومنذ قيام نظامها الماركسي المرتبط بالاتحاد السوفياتي، بلدا مستهدفا على الدوام من جانب الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها، خاصة عقب إقدامها على غزو كوريا الجنوبية عام 1950 في محاولة يائسة لتوحيد الكوريتين بالقوة المسلحة. وقد سارعت الولايات المتحدة، بالتعاون مع حلفائها، لنجدة كوريا الجنوبية وكادت قواتها تقضي على قوات كوريا الشمالية وتطيح بنظامها لولا تدفق متطوعين صينيين لنجدتها، بدعم من الاتحاد السوفياتي، لينتهي الأمر بعودة الجيوش المتحاربة إلى مواقيعها السابقة وتوقيع اتفاقية للهدنة عام 1953. أي أن موازين القوى في نظام دولي ثنائي القطبية حالت دون تمكين أي من حكومتي كوريا إعادة توحيد البلاد تحت لوائها، ومن ثم ظلت كوريا المقسمة شاهدا على الحرب الباردة.
حين انهار الاتحاد السوفياتي عام 1990، ساد اعتقاد مفاده أن سقوط النظام الحاكم في كوريا الشمالية بات مسألة وقت، باعتباره اصبح من مخلفات الحرب الباردة. غير أن هذا الاعتقاد راح يتلاشى بمرور الوقت، خصوصا بعد أن بدأ النظام الكوري الشمالي يعتمد بصورة متزايدة على الصين التي بدا واضحا أنها لن تسمح بسقوطه، حفاظا على التوازنات الإقليمية، حتى ولو اختلفت مع بعض سياساته وبرامجه، وبالذات مع برنامجيه النووي والصاروخي، وهو ما يفسر صمود نظام كوريا الشمالية حتى الآن رغم كل التوقعات. ولأن هذا النظام كان قد أيقن، ومنذ فترة ليست بالقصيرة، أن وجوده واستمراره باتا مرتبطين بقدرته على تحويل كوريا الشمالية إلى دولة نووية قادرة على ردع أعدائها، خاصة الولايات المتحدة، فقد اعتقد أنه ليس أمامه من خيار آخر سوى الاستمرار في تطوير برنامجيه النووي والصاروخي، مهما كلفه من تضحيات، باعتبارها قضية حياة ووجود.
كان اسم كوريا الشمالية يتردد كثيرا على لسان القادة الأميركيين باعتبارها إحدى دول محور الشر الثلاث، مع كل من العراق وإيران، خاصة على لسان بوش الابن عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001. ولو كان قد قدر للقوات الأميركية أن تستقر في العراق، بعد أن نجحت في تدميرها، لأصبح إسقاط النظامين الحاكمين في كل من إيران وكوريا الشمالية هدفا تاليا للولايات المتحدة. غير أن انغراس الولايات المتحدة في الوحل العراقي أنقذهما معا. صحيح أن موازين القوى الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط لم تمكن إيران سوى من تطوير برنامجها النووي إلى الحد الذي يسمح باستخدامه كأداة للمقايضة والتفاوض على دور إقليمي أوسع، غير أن موازين القوى الإقليمية في منطقة شرق آسيا سمحت لكوريا الشمالية، في ظل الإصرار اليائس لنظامها الحاكم، بالتحول إلى قوة نووية كاملة. وهذا تطور هام سيكون له ما بعده على التوازنات العالمية.
أعتقد أن إدارة ترامب ستصدر خلال الأيام والأسابيع القادمة تصريحات نارية قد تحدث ضوضاء صاخبة، لكنها لن تغير من الأمر الواقع شيئا، وهو ما بدا واضحا إبان الجلسة التي عقدها مجلس الأمن مساء الاثنين الماضي. لذا أظن أن الولايات المتحدة ستضطر في النهاية للتعامل مع كوريا الشمالية كدولة نووية جديدة، شأنها في ذلك شأن الهند وباكستان وإسرائيل!!.
بقلم: د. حسن نافعة
copy short url   نسخ
07/09/2017
2547