+ A
A -
تكشف تطورات أزمة حصار قطر عن عمق الهاوية التي انحدر إليها العالم العربي كله، وتضيف إليها أبعادا جديدة كل يوم. ولأن عمر هذه الأزمة، والتي فاجأت مجلس التعاون الخليجي، الحصن الباقي من نظام عربي يتداعى، يزيد الآن على ثلاثة أشهر، يبدو أنها ستتجه أكثر فأكثر نحو التعقيد والتصعيد، وليس الفكفكة والحل، مما يثير مخاوف من اقتراب العالم العربي شيئا فشيئا من لحظة الارتطام المدوي بقاع الهاوية.
وربما كان أغرب ما كشفت عنه تطورات الأزمة خلال الأسبوع الماضي، بروز دور دونالد ترامب كممسك بكل خيوط الأزمة وكحريص على الظهور بمظر الرجل الوحيد القادر على إيجاد مخرج لها. فحين كان أمير دولة الكويت ضيفا عليه في البيت الأبيض، أمسك دونالد ترامب بالهاتف وأجرى اتصالات مع قادة بدول مجلس التعاون الخليجي.
عقب اندلاع هذه الأزمة مباشرة، ساد اعتقاد لبعض الوقت أنها أزمة خليجية محضة وأن البحث عن مخرج لها يجب أن يظل في أيد خليجية، وأن من مصلحة جميع الأطراف بذل كل جهد ممكن للحيلولة دون تدويلها، وهو ما يفسر الترحيب الفوري والتلقائي بالوساطة الكويتية على الصعيدين الرسمي والشعبي، ثم الترحيب الرسمي والشعبي بتحركات الدبلوماسية العمانية لدعم الوساطة الكويتية كي تظل الجهود الرامية للبحث عن مخرج محصورة داخل البيت الخليجي، غير أن الأمور سرعان ما بدأت تأخذ منحى آخر للأسف. فقد راح البعض يتحدث عن احتمالات اللجوء إلى حل عسكري، وتحسبا لهذا الاحتمال قررت قطر تفعيل معاهدة دفاع مشترك قديمة مع تركيا وبدأت قوات تركية رمزية تتدفق على الدوحة، ثم راحت الولايات المتحدة وروسيا والدول الأوروبية تدخل بنشاط ملحوظ على خط الأزمة ويحاول كل طرف توجيه مسارها لصالحه. ورغم حرص الجميع على تأكيد دعمهم للوساطة الكويتية، وعلى أن الحل يجب ان يبقى خليجيا، كانت كل الشواهد تشير إلى أن الأزمة تم تدويلها بالفعل، وأن تسويتها باتت مرتبطة عضويا بمجمل الصراعات الدائرة في المنطقة وعليها، وبالتالي فإن أي مخرج لها لا بد وأن يعكس موازين القوى الدولية والإقليمية المتصارعة على الساحة.
لا يشك أحد في أن الكويت بذلت أقصى ما تستطيع من جهد للبحث عن حل خليجي للأزمة، كما لا يشك أحد أيضا في أن سلطة عمان حرصت على تقديم مساعدة جادة ومخلصة في هذا الاتجاه، غير أن دخول مختلف الأطراف الدولية والإقليمية على خط الأزمة لم يكن في الواقع منشأ لحقائق جديدة بقدر ما كان كاشفا لطبيعتها كأزمة إقليمية ودولية بامتياز. فعندما تندلع أزمة بهذا العمق بين دول غنية بالنفط، ولديها احتياطات مالية هائلة، وفي وقت يبدو فيه النظام الإقليمي العربي عاريا تماما وغير قادر على ستر عورته حتى بورقة توت، يصبح تدويل هذه الأزمة أمرا ليس سهلا فقط وإنما حتميا ايضا.
توجه أمير الكويت بنفسه إلى البيت الأبيض، في إطار جهوده الرامية للبحث عن تسوية للأزمة، كان كاشفا في حد ذاته عن استحالة تسوية الأزمة إلا عبر الولايات المتحدة وبمشاركتها الفعالة. لكن الطريقة التي تعامل بها ترامب في حضور أمير دولة الكويت بعثت بإشارة ضمنية إلى كل من يهمه الأمر، مفادها أن الولايات المتحدة حريصة على تماسك دول مجلس التعاون الخليجي أكثر من بعض دول المجلس نفسها. وحين يبدو ترامب على هذا النحو وكأنه زعيم العروبة الحريص على وحدة العرب، فتلك في حد ذاتها مفارقة تعبر عن حجم المأساة التي يعيشها العالم العربي.
بقلم: د. حسن نافعة
وربما كان أغرب ما كشفت عنه تطورات الأزمة خلال الأسبوع الماضي، بروز دور دونالد ترامب كممسك بكل خيوط الأزمة وكحريص على الظهور بمظر الرجل الوحيد القادر على إيجاد مخرج لها. فحين كان أمير دولة الكويت ضيفا عليه في البيت الأبيض، أمسك دونالد ترامب بالهاتف وأجرى اتصالات مع قادة بدول مجلس التعاون الخليجي.
عقب اندلاع هذه الأزمة مباشرة، ساد اعتقاد لبعض الوقت أنها أزمة خليجية محضة وأن البحث عن مخرج لها يجب أن يظل في أيد خليجية، وأن من مصلحة جميع الأطراف بذل كل جهد ممكن للحيلولة دون تدويلها، وهو ما يفسر الترحيب الفوري والتلقائي بالوساطة الكويتية على الصعيدين الرسمي والشعبي، ثم الترحيب الرسمي والشعبي بتحركات الدبلوماسية العمانية لدعم الوساطة الكويتية كي تظل الجهود الرامية للبحث عن مخرج محصورة داخل البيت الخليجي، غير أن الأمور سرعان ما بدأت تأخذ منحى آخر للأسف. فقد راح البعض يتحدث عن احتمالات اللجوء إلى حل عسكري، وتحسبا لهذا الاحتمال قررت قطر تفعيل معاهدة دفاع مشترك قديمة مع تركيا وبدأت قوات تركية رمزية تتدفق على الدوحة، ثم راحت الولايات المتحدة وروسيا والدول الأوروبية تدخل بنشاط ملحوظ على خط الأزمة ويحاول كل طرف توجيه مسارها لصالحه. ورغم حرص الجميع على تأكيد دعمهم للوساطة الكويتية، وعلى أن الحل يجب ان يبقى خليجيا، كانت كل الشواهد تشير إلى أن الأزمة تم تدويلها بالفعل، وأن تسويتها باتت مرتبطة عضويا بمجمل الصراعات الدائرة في المنطقة وعليها، وبالتالي فإن أي مخرج لها لا بد وأن يعكس موازين القوى الدولية والإقليمية المتصارعة على الساحة.
لا يشك أحد في أن الكويت بذلت أقصى ما تستطيع من جهد للبحث عن حل خليجي للأزمة، كما لا يشك أحد أيضا في أن سلطة عمان حرصت على تقديم مساعدة جادة ومخلصة في هذا الاتجاه، غير أن دخول مختلف الأطراف الدولية والإقليمية على خط الأزمة لم يكن في الواقع منشأ لحقائق جديدة بقدر ما كان كاشفا لطبيعتها كأزمة إقليمية ودولية بامتياز. فعندما تندلع أزمة بهذا العمق بين دول غنية بالنفط، ولديها احتياطات مالية هائلة، وفي وقت يبدو فيه النظام الإقليمي العربي عاريا تماما وغير قادر على ستر عورته حتى بورقة توت، يصبح تدويل هذه الأزمة أمرا ليس سهلا فقط وإنما حتميا ايضا.
توجه أمير الكويت بنفسه إلى البيت الأبيض، في إطار جهوده الرامية للبحث عن تسوية للأزمة، كان كاشفا في حد ذاته عن استحالة تسوية الأزمة إلا عبر الولايات المتحدة وبمشاركتها الفعالة. لكن الطريقة التي تعامل بها ترامب في حضور أمير دولة الكويت بعثت بإشارة ضمنية إلى كل من يهمه الأمر، مفادها أن الولايات المتحدة حريصة على تماسك دول مجلس التعاون الخليجي أكثر من بعض دول المجلس نفسها. وحين يبدو ترامب على هذا النحو وكأنه زعيم العروبة الحريص على وحدة العرب، فتلك في حد ذاتها مفارقة تعبر عن حجم المأساة التي يعيشها العالم العربي.
بقلم: د. حسن نافعة