+ A
A -
بدأت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الثلاثاء الماضي أعمال الدورة رقم 72 التي تكسب أهمية خاصة هذا العام، بحكم سخونة بعض القضايا المدرجة على جدول أعمال النظام الدولي، وايضا مشاركة ترامب الذي سيلقي فيها أول خطاب له كرئيس للولايات المتحدة الأميركية. لذا فربما يكون من المفيد في هذه المناسبة تخصيص مقال اليوم لاستعراض طبيعة الدور الذي تقوم به هذه المؤسسة الدولية حاليا، ومدى اتساق هذا الدور مع التحولات الهائلة التي طرأت على النظام الدولي، خاصة خلال العقدين السابقين.
الجمعية العامة هي أحد ستة أجهزة رئيسية تشكل الهيكل التنظيمي لمنظمة الأمم المتحدة والذي يضم أيضا: مجلس الأمن، المجلس الاقتصادي والاجتماعي، مجلس الوصاية، محكمة العدل الدولية، والأمانة العامة. ولأنه لم يعد لمجلس الوصاية وجود فعلي وكف عن الانعقاد عقب حصول الاقاليم التي خضعت لإشرافه على استقلالها، فضلا أن لكل من محكمة العدل الدولية والأمانة العامة وضعا خاصا بحكم طبيعة عملهما، لم يعد هناك سوى ثلاثة أجهزة «سيادية» تمثل حكومات الدول الأعضاء في الأمم المتحدة هي: الجمعية العامة ومجلس الأمن والمجلس الاقتصادي والاجتماعي. فإذا اضفنا إلى ما تقدم أن المجلس الاقتصادي والاجتماعي يعمل تحت إشراف الجمعية العامة، وليس جهازا مستقلا بالكامل، لتوصلنا إلى نتيجة مفادها أن للأمم المتحدة ركيزتين اساسيتين هما الجمعية العامة ومجلس الأمن، وهو ما قد يفسر حرص الميثاق على أن يقيم بينهما نوعا من التوازن السياسي الدقيق.
تنبع أهمية الجمعية العامة من كونها الجهاز الوحيد الذي تمثل فيه جميع الدول الأعضاء وتتمتع فيه بمساواة حقيقية، تجسدها قاعدة صوت واحد لكل دولة، وله صلاحية إقرار مشروع البرنامج والميزانية، بما في ذلك تحديد الأنصبة المالية للدول الأعضاء. أما مجلس الأمن، وهو جهاز محدود العضوية يتكون من خمسة عشر عضوا، منهم خمسة دائمون محددين بالاسم في الميثاق ويتمتعون وحدهم بحق الفيتو، فتنبع أهميته من كونه جهازا يملك سلطة اتخاذ القرار الملزم في مواجهة الدول الأعضاء، خصوصا حين يمارس صلاحياته وفقا للفصل السابع. ويبدو أن العقول المؤسسة، عند تحديدها للفلسفة التي يتعين أن تحكم تصميم وعمل الهيكل التنظيمي للأمم المتحدة وتوزيع السلطات والصلاحيات بين الأجهزة والفروع، تصورت أن هذه المنظمة العالمية يمكن أن تتطور في المستقبل على نحو يسمح للجمعية العامة أن تتحول تدريجيا إلى برلمان حقيقي، ويسمح لمجلس الأمن أن يتحول إلى حكومة عالمية فعلية مسؤولة عن تطبيق القوانين التي تصدرها الجمعية العامة بوصفها السلطة التشريعية للنظام الدولي. غير أن الأمور سارت على غير ما تشتهي السفن. فالحرب الباردة التي اندلعت بعد سنوات قليلة من قيام الأمم المتحدة شلت مجلس الأمن دون تمكين الجمعية في الوقت نفسه لا من سلطة التشريع ولا حتى من التمتع ببعض صلاحيات مجلس الأمن المشلول. وعندما انهار الاتحاد السوفياتي بعد ما يقرب من نصف قرن، تعمدت الولايات المتحدة إضعاف الأمم المتحدة وسعت لتحويلها إلى مجرد أداة تمكنها من إحكام قبضتها على النظام العالمي والانفراد بالهيمنة المطلقة عليه. وللتأقلم مع هذا النظام العالمي المتحول، راحت أجهزة الأمم المتحدة تتضخم هيكليا، بإنشاء فروع ثانوية عديدة ومتنازعة الاختصاصات، وتترهل إداريا، بضخ أعداد متزايدة من الموظفين الذين يتقاضون مرتبات فلكية دون أن يقوموا بمهام فعالة. وفي إطار عملية التأقلم هذه تحولت الجمعية العامة إلى مجرد منتدى للنقاش أو ساحة للدردشة وإعلان المواقف، دون قدرة حقيقية على اتخاذ القرارات أو التصدي للمشكلات الدولية المتفاقمة. لذا لم يكن ترامب مبالغا حين وصف الأمم المتحدة إبان حملة انتخابات الرئاسة الأميركية، أو حتى بعدها، إلى «ساحة للثرثرة وقضاء وقت طيب». ومع ذلك أعتقد أن انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة كل عام يتيح فرصة ذهبية أمام كل من يرغب من قادة العالم للالتقاء والتشاور مع من يريد في جلسات جانبية. ولأنه لا يوجد مكان آخر في العالم يمكن أن يجتمع فيه قادة 193 دولة تمثل المجتمع الدولي كله، فقد اصبح أداء الجمعية العامة لهذا الدور هو الخدمة الأساسية، إن لم تكن الوحيدة، التي تقدمها للنظام الدولي بتركيبته الراهنة.
بقلم:د. حسن نافعة
copy short url   نسخ
21/09/2017
2455