+ A
A -
بعد قرون الظلام التي عاشتها البشرية والتي ساد فيها الجهل ومعاداة العلم، إلى حد أن الكنيسة في أوروبا كانت تعتبر مجرد المحاولة في التفكير والبحث العلمي كفرا يتوجب العقاب، وفي ظل سيطرة الكنيسة وجمودها حاكمت جاليليو مخترع التلسكوب والذي اكتشف الحقيقة العلمية أن الأرض تدور حول نفسها وحول الشمس، وتم شنق جاليليو لأنه خالف موقف الكنيسة أن الشمس تدور حول الأرض، وأن الأرض هي مركز الكون وأنها ثابتة، وقتلت الكنيسة عالم الطبيعة برونو وألقوه في النار لأنه قال إن الكون فيه عوالم متعددة، وقتلت الكنيسة كل من حاول دراسة تشريح جسم الإنسان.
بعد هذه القرون التي عاشت فيها أوروبا في ظلام الجهل وعداء العقل والعلم جاء الإسلام ليرفع شأن العلم والعلماء، ويوجه الإنسان إلى النظر في الكون وكل ما فيه، باعتبار أن الكون هو كتاب الله المفتوح الذي يقدم أدلة لا حصر لها على قدرة الله الخالق. وفي دعوة الله للمسلمين بأن يتعلموا ويبحثوا في أسرار هذا الكون معجزة الخلق فيه وفي الإنسان والحيوان والطير، وفي الزرع وأحوال الطبيعة، وجاء في القرآن أكثر من 800 آية تشير إلى حقائق كونية لم يدركها الناس إلا في السنوات الأخيرة بعد وصول الإنسان إلى القمر، وغزو الفضاء ووصوله إلى كواكب أخرى أبعد بمسافات تقدر بمئات وآلاف السنين، وبعد معرفة الإنسان لتكوين الذرة والطاقة الهائلة التي تتولد من تفجيرها، ومعرفة الجاذبية، وتعدد الشموس والأقمار، وغير ذلك من حقائق مذهلة لم تكن تخطر على بال أحد في القرون الماضية.
واليوم، وقد تقدمت الأبحاث في ميادين العلوم المختلفة يدرك العلماء أن وراء هذا الكون، وهذه الحياة، نظام عجيب، لا يمكن أبدا أن تكون فعلا بدون فاعل، وخلقا بدون خالق، فالعالم الراحل الدكتور منصور حسب النبي يشرح لنا دليلا واحدا على عظمة الخالق في أصغر شيء في الوجود وهو «الجزء البروتيني» الذي لا يمكن رصده بالميكروسكوب ويحتاج إلى ميكروسكوب خاص جدا لم يوجد إلا مؤخرا لنكتشف أن هذا الجزيء يحتوى على 400 ألف ذرة من خمسة أنواع من ذرات عناصر الكربون، والإيدروجين، والنيتروجين، والأوكسوجين، والكبريت، وهذا الاكتشاف ظل يحير العلماء طويلا، إذ كيف توجد في الطبيعة 92 عنصرا من العناصر الكيميائية بينما الجزيء الذي تتكون منه هذه العناصر مكون من خمسة عناصر فقط، وليس هناك تفسير لهذه الحيرة إلا أن اختلاف ترتيب هذه العناصر الخمسة يؤدي إلى إيجاد عناصر جديدة وهكذا يتكون من خمسة عناصر 92 عنصرا ولا يمكن أن يحدث ذلك إلا بقدرة خارقة هي قدرة الله، هو الذي خلق هذا الجزء البروتيني، وهو الذي جمع هذه الجزيئات بالبلايين لخلق الكائنات الحية من النبات والحيوان، وهذا تصديق لقول الله تعالى «الله خالق كل شيء وهو على كل شيء قدير» (الزمر-62).. وكل شيء في خلقه الله تعالى بمقدار دقيق، حتى أننا على سطح الأرض أشبه بركاب سفينة فضاء تدور في الفضاء الكوني، وفي هذا الفضاء الكوني آلاف الملايين من المجرات، وليست الأرض التي تسكنها إلا جزءا ضئيلا من هذا الكون، والشمس نجم وفي الكون أعداد من الشموس لا نعرف عددها في حجم شمسنا وأكبر منها، وفي مجموعة واحدة هي المجموعة الشمسية 9 كواكب: عطارد والزهرة والأرض والمريخ والمشترى وزحل وأورانوس ونيبتون وبلوتو، وحول كل كوكب منها تدور أقمار، وكل ذلك يمثله مجموعة واحدة لا تمثل إلى حبة رمل في الكون الواسع الذي يعحز العقل البشري عن تصوره.
وهذا كله ليس إلا سطرا واحدا في كتاب الله المفتوح أمرنا الله أن نقرأ ونفهمه لندرك معنى قوله تعالى:
«وما أوتيتم من العلم إلا قليلا» (الإسراء-85).
وللحديث بقية...
بقلم : رجب البنا
copy short url   نسخ
23/09/2017
4482