+ A
A -
ندر من كان هاجسه التنقيب في نفسه للتعرف على كنه ذاته.
- فمثلًا، كُثُر يفاجأون لدى سماع أصواتهم مسجلة، ولا أبالغ لو ادعيت أن هناك من يكره سماع صوته، بل يعرب عن نفوره لدى الإنصات لنبرته، كونه يشعر بغربة عن الصوت، فيندهش كيف يتحدث على نحو لاهث، ما يوقعه بخطأ عدم إعطاء الحروف حقها. وكان يرسم لنفسه صورة شخص ذي صوت رخيم، فإن سمعه مسجلاً، هاله «سرسعته». مسرف في الضحك كمن يكافئ نفسه على طرفة لم تجد صدى لدى مستمعيه، فيحييها بنفسه.
- ويحدث أن تشاهد شريط مسجل لعرس حضرته، فإن استأت من أسلوب هندامك وحكمت على طلتك بهذه البدلة بأنها لم تكن موفقة - فقط- حين مطالعتك لصورتك، فاعلم أنك لست خبيرًا بذاتك حتى أنك لم تمنحك نفسك وقتًا لتستبصر في مظهرك.
فما بالك لو منحت نفسك فرصة لاستبصار دخائلها.
فقد يهالك كم الاستكشافات التي ستفسر لك، ولربما تفاجأ أنك تجيد الكذب على حالك تمامًا كما تتقنه بإزاء الآخرين، كما وستنبهر بقدراتك على الاحتيال بخلط المفاهيم، عدا مهاراتك في التلاعب بنواياك للوصول لأهدافك.
-فهل تعتقد أن لديك ملكة المحاكمة العقلية لذاتك؟
- هل تعي إن كانت بواعثك ذاتية، تماثلية أم تقليدية؟
-أتستطيع تقييم أحكامك على البشر، إن كانت تخضع لأهواء شخصية أم موضوعية؟
-ألاحظت إن كان فكرك انطباعيا أم استدلاليا؟
-أتتأمل نفسك في المرآة لإصلاح هيئتك أم لتتعالى على البشر بهندامك ولسان حالك يصرخ: «أنا صديقكم الأعلى».
-أتهفو لعروسك أم أن كل حدث صغير بأول ليلة يثير فيك - بفعل الشهوة- اهتمامك ثم لن يلبث أن يزول؟
- ألديك مهارة تحديد إن كنت في حالة انجذاب، إعجاب، حب، سعيد بكونك مقبولا، أم أن الأمر لم يكن سوى محض رغبة؟
-أترى أن من الحكمة التجاوز بالسماح لتنشيط هرمونات شرك البسيط، على أمل أن تنتج زلاتك عن خير عميم؟ كمن يتاجر بعرض بناته مقابل صفقات مادية ثم يستغفر لاحقًا ويكون من المحسنين، المتبرعين لمراكز الأيتام!
-أتعتذر عن فظاظاتك المبطنة إن لمست في سلوكك إيذاء لمشاعر أخيك أم لا تبادر للمصالحة إلا لو لاحظت إعراضًا بإزاء معاملته تجاهك؟ ما يعني أنك تنتظر لتتأكد عما إن كان بلع المهانة أم فاض به الكيل وقرر اختصارك من حياته؟
- أقادر أنت على التفريق بين سلوكك المرائي وسواه المجامل؟
- أتفعل ما تُريد أم أنك ُمتأقلم، فتُريد ما يُراد لك؟
- أتصلي للخالق فيتحقق في نفسك معنى العبودية لله، بالخضوع والتسليم له أم سعيد بهرولتك للحاق بتكبيرة الاحرام، فتركع بركبتيك ثم تسجد بجبهتك - صوريًا- مع خالقك، على أنك - فعليًا- تجيد الاتصال بأصحاب المعالي وتتقن الانصياع لرؤسائك، فتمارس عبوديتك الفعلية لهم؟
- أتعلم إن خطأك البسيط أفضل من صوابك المقلد؟ فذنوبك صنيعة مقترفات يدك ستثمر لك عن ندم حقيقي وتوبة صادقة كونهما نابعين من ألم معاناتك الذاتية وستكون أفضل لذاتك من تقليدك أنماطا صوابية ورثتها، لأنها كانت مرفوعة شعارًا لدى محيطك ما سيحولك لآلة تقلد أفعال الآخرين الصائبة والخاطئة، فتقلد ما يحظى بقبولهم أو تختلق أكاذيب عن معتقداتك ليقينك أنها ستجلب لك قبول مجتمعك.
- أتكرر عبارات الشكر دون الشعور بالامتنان أو إبداء العرفان؟
- أتستخدم جمل الترحيب الزائفة لضيوفك، فيفضحها صوت كسول متثاقل؟
- أتخالط مجلساً كمن يتحسس المياه قبل الولوج فيها «ليجس النبض» فإن رأي جمعًا دينيًا أطلق لحيته وإن صادف علمانيًا عافاها ولو جالس فقراء، بكى عوزًا، وإن لاقى زُهّادا، أسفر كلامه عن روميًا يتغنى بأن الكفن ما له جيوب. وإن خالط أغنياًء زج بحديث عن ميراثه من العقارات والفدن.
- أتواجه قناعاتك ولو كانت المصلحة هي إلهك الوحيد الذي عبدته من دون الله؟
افعلها فألم كشف الجراح هو أول خطوات العلاج من أجل الشفاء.

بقلم : داليا الحديدي
copy short url   نسخ
23/09/2017
3746