+ A
A -
كما هو متوقع، منح مجلس نواب الشعب في تونس ثقته لقائمة الوزراء وكتّاب الدولة الجدد الذين التحقوا بحكومة يوسف الشاهد (وبعضهم تغير موقعه الوزاري ليس أكثر)، ولم يكن هذا الأمر من قبيل المفاجأة لكل متابع للشأن السياسي التونسي بالنظر إلى أن تحالف الكتلتين الأكبر في المجلس وهما كتلة نداء تونس وكتلة حزب النهضة توافقا على القائمة الحكومية قبل مثولها أمام نواب مجلس الشعب، مما يعني أن الموافقة عليها كانت من قبيل تحصيل الحاصل لا أكثر.
غير أن ما ينبغي ملاحظته في السياق العام لمتابعة نشاط حكومة الشاهد، أنه من الصعب أن يأمل الشعب في حصول تغيير جذري يمكن أن يحدث فرقاً نوعياً ما بين الحكومة في صيغتها الأولى وبين تركيبتها الحالية ما بعد التعديل. فبالإضافة إلى استمرار غالبية الوزراء في مواقعهم وبعضهم تغيّرت وزارته فحسب فإن الوزراء الذين تم إلحاقهم في مناصب مختلفة ليسوا من الكفاءات المهمة التي يمكن أن تفاجئ الناس بأداء حكومي رفيع لسبب بسيط وهو أنهم وبالإجمال كانوا وزراء في حكومات الرئيس المخلوع بن علي ويملك التونسيون عنهم فكرة من خلال توليهم للوزارة سابقاً. فهؤلاء الذين تم الاستنجاد بهم لملء مواقع وزارية بداعي الخبرة هم في الواقع مارسوا الحكم في ظل نظام الاستبداد وتعوّدوا بالصلاحيات الواسعة للوزراء خارج الرقابة الشعبية وهو ما سيجعلهم اليوم في اختبار حقيقي حول مدى استيعابهم لتجربة الحكم في ظل وضع ديمقراطي تسوده حرية النقد والتعبير.
أما الوزراء الذين استمروا في مواقعهم أو تمت إعادة توزيع حقائبهم الوزارية فلا شيء يدل على نجاحهم في أداء المهام المكلفين بها، بل فوجئ الرأي العام باستمرار بعضهم في الحكومة رغم فشله الواضح وعجزه عن حل مشكلات القطاع الذي يتعامل معه.. ومن هنا يمكن القول إن دار لقمان على حالها، فالحكومة التي تأسست على المحاصصة وعلى ترضية الأحزاب وبعض اللوبيات النافذة لا يمكن أن ينتظر منها الشارع التونسي الكثير.
غير أن ما رافق التعديلات الجديدة من تجاذبات وتصريحات شغلت الرأي العام أكثر من التركيبة المعدلة للحكومة. فالقاصي والداني يدرك أن الحاكم الفعلي في الشأن الحكومي هو الرئيس السبسي رغم أن الصلاحيات الدستورية تمنح رئيس الحكومة مجالاً أوسع للتصرف والحكم غير أنه في الوضعية الحالية وفي ظل هيمنة حزب النداء على الرئاسات الثلاث (الجمهورية والنواب والحكومة) فإن مؤسس نداء تونس وصاحب الفضل عليه الرئيس الحالي الباجي قائد السبسي هو المتحكم الفعلي في أوراق الحكم سواء في قرطاج أو القصبة (مقر الحكومة).. ومن الصعب الحديث عن نجاحات ممكنة للحكومات المتتالية بتعديلاتها المختلفة في ظل نداء تونس (حكومة الحبيب الصيد الأولى والثانية ثم حكومة الشاهد الأولى والمعدّلة) فالمشهد السياسي التونسي بتشرذمه الحزبي الحالي وغياب قوة وازنة في المعارضة جعلت تجارب الفشل الحكومي المتتالية في ظل حكم الرئيس الباجي تمر دون أن تثير ما تستحقه من نقد.
يبقى أن تمرير التعديلات الحكومية الحالية اقترنت بتمرير مشروع القانون المتعلق بالمصالحة في المجال الاقتصادي والمالي وهو الذي أثار لغطاً كبيراً منذ أن حرص رئيس الجمهورية على تمريره بداية من سنة 2015 ورغم التعديلات الشكلية التي خضع لها القانون فإن شبهة تبييض الفساد والتسامح مع المفسدين ستظل تلاحق هذا القانون حتى بعد إن قبل النواب بالمصادقة عليه في ظل انقسام حاد بين النواب المؤيدين للقانون والآخرين المعارضين له.
فالحكومة التونسية بعد التعديل هي ذاتها من قبل ويتعلق الأمر بتغيير بعض الأسماء في إطار ترضيات وكسب الولاءات ليس أكثر، أما فكرة أن تتمكن الحكومة الحالية من إحداث تغيير جذري فهذا مازال مطمحاً بعيد المنال على الأقل في المرحلة الحالية، فالأمر يتعلق بجراحة تجميلية ليس أكثر ولن تتجاوز المظهر لتغيّر الجوهر في طبيعة العمل الحكومي المختل بنيوياً.

بقلم : سمير حمدي
copy short url   نسخ
03/10/2017
7349