+ A
A -
إن الحب لا يعني أن يحدق اثنان في بعضهما البعض، بل أن ينظر كلاهما في اتجاه واحد، هذا ما علمتني إياه الحياة، وهذا ما آمن به وردده في أكثر من مناسبة الطيار الفرنسي الذي أصبح من اشهر الكتاب «أنطوان سانت اكزوبيري» الذي
اشتهر بروايته الخالدة «الأمير الصغير» والتي ما زالت تحتل المراتب الأولى في الطباعة والنشر والمبيعات، لا في فرنسا وحدها وانما في كل أنحاء العالم، شارك أنطوان في الحرب العالمية الثانية ضد المانيا النازية، وقبلها شارك في الحرب الأهلية الاسبانية ضد الفاشية،، وكانت له أكثر من تجربة مع الموت سطرها على الورق قبل ان تنتهي حياته بسقوط طائرته واعتباره في عداد المفقودين حتى تم العثور على ما يثبت هويته بعد ما يزيد على اربعين عاما، لقد وقع لهذا الطيار حادث ترك أثرا في نفسه وفي نفوس كل من روى لهم ما حدث، وذلك عندما وقع أسيرا في يد الأعداء ذات مرة، ووضعوه في سجن انفرادي في منطقة نائية وخصصوا لحراسته رجلا واحدا أثناء الليل لسبب ما، وكان من الجلي والواضح له أن نهايته ستكون الاعدام لا محالة، وان هذا سيتم قريبا، ربما غدا أو بعد غد، فنظرات الازدراء والعنف الذي مورس ضده يؤكدان هذه النهاية، كما انها الحرب، وفي الحروب يتم التخلص من الأسرى بدلا من تحمل عبء رعايتهم واطعامهم وحراستهم، وأترك الطيار الاديب يروي حكايته كما حدثت معه: «كنت متأكدا أنهم سيقتلونني، وكلما مرت الدقائق زاد توتري واضطرابي، ودفعني القلق الشديد للبحث في جيوبي عن أية سيجارة أفلتت من التفتيش الدقيق، وفعلا وجدت واحدة اندست في ثنايا المحفظة التي أبقوها معي، ونظرا لأن يدي كانتا ترتعشان بشدة، لم أتمكن من وضعها بين شفتي الا بشق الأنفس، وظهرت مشكلة اخرى... لم أجد عود ثقاب أشعل به السيجارة الاخيرة، نظرت من خلال القضبان إلى السجان، وناديته قائلا: «من فضلك.. هل لديك ولاعة؟ نظر إليّ بلا مبالاة ثم فتح الباب وتقدم بخطوات ثقيلة وأشعل لي السيجارة، كان وجهانا متقاربين، وتسمرت عيناي في عينيه دون قصد، وفي تلك اللحظة ارتسمت ابتسامة على وجهي، لا أعرف السبب؟ لقد ابتسمت لا شعوريا، وفي تلك اللحظة ابتسم هو ايضا، وبدا الأمر وكأن شرارة وثبت في الفجوة الموجودة بين قلبينا ووحدت بين نفسينا كبشر، لم تختف الابتسامة من وجهي وكذلك هو... ثم سألني قائلا: «هل لديك أطفال؟ أجبت وأنا أخرج محفظتي وأبحث بعصبية عن صور أسرتي: «نعم... صورهم معي...انتظر» أريته الصور وأخرج هو صور أبنائه، تحدثنا مطولا عنهم، وعن المستقبل الذي خططناه من اجلهم، عن آمالنا وحبنا لهم، ثم انتبهت إلى وضعي ووجدتني اقول والدموع في عيني: «لن يُقدر لي أن أراهم يكبرون، لن أراهم مرة أخرى مطلقا.. لن أستمتع بهذه الفرصة أبدا» صمت سجاني لوهلة محاولا إخفاء الدموع التي بدت تتكون في عينيه، ثم سار خطوات وفتح باب الزنزانة وأشار علي بالخروج، سار أمامي وأنا أتبعه بذهول، سلكنا طرقا خلفية شديدة الظلام، ولم يتفوه بأية كلمة أثناء سيرنا الطويل، وعند أطراف المدينة تركني ومضى عائدا من نفس الطريق، وكانت أول جملة وردت في خاطري قبل أن أواصل السير حيث الأمان هي: «لقد نجوت من الموت بابتسامة».
بقلم : وداد الكواري
copy short url   نسخ
04/10/2017
3500