+ A
A -
جاء في الأثر أن «ذو القرنين» كان وحيد أمه، وأنه كما نعلم جميعًا طاف الأرض من مشرقها إلى مغربها فاتحًا وداعيًا، وأنه لما وصل إلى بابل مرض مرضًا شديدًا، وأحس بدنو أجله، فلم يخطر بباله لحظتذاك غير الحزن الذي سيصيب أمه إذا مات، فأرسل لها كبشًا عظيمًا ورسالة، وكتب إليها في الرسالة:
أماه، إنّ هذه الدنيا آجال مكتوبة، وأعمار معلومة، فإن بلغكِ تمام أجلي فاذبحي هذا الكبش، ثم اطبخيه، واصنعي منه طعامًا، ثم نادي في الناس أن يحضروا جميعًا إلا من فقد عزيزًا!
فلما بلغها نبأ موته، عمدت إلى تنفيذ وصيته، فصنعت بالكبش كما طلب، ونادت في الناس كما أوصى، ولكنها تفاجأت أن أحدًا لم يحضر ليتناول طعامها، فعلمت أنه ما من أحد إلا وقد فقد عزيزًا، ففهمت مراد ابنها من وصيته تلك، وقالت: رحمك الله من ابن، لقد كنت لي واعظًا في موتكَ كما كنتَ في حياتكَ.
المصائب دومًا تقع، فهذه الدنيا ليست دار لقاء وإنما دار فقد، وليست دار إقامة وإنما محطة عبور، والموت ليس ضد الحياة وإنما هو جزء منها! نحزن لأننا بشر، ونلتاع لأننا نحب، وننكسر لأننا ناس، ونضعف لأننا أكثرنا الاتكاء على أحبتنا، هو شيء طبيعي، ولكن علينا أن نتأدب مع الله حين يمضي قدره، إن السخط لا يغير القدر، ولكن الرضى يزيد في الأجر، ألم يخبرنا ربنا عن بيت الحمد!
ما دام هناك مدارس وجامعات فسيبقى هناك رسوب ونجاح
وما دام هناك متاجر وأسواق وشركات فسيبقى هناك ربح وخسارة
نقيم مستشفيات جديدة لأن الأمراض باقية
ونحفر كل يوم قبورًا لأن الموت لا يتوقف
نقيم ورش ميكانيك لأن السيارات ستبقى تتلف
وننشي مراكز إطفاء لأن الحرائق ستبقى تندلع
هذه هي الدنيا، مزيج من كل شيء، من الخير والشر، ومن الحياة والموت، ومن الحرب والسلم، ومن العدل والظلم، ومن الصحة والمرض، ومن الزواج والطلاق، ومن الاجتماع والافتراق! هكذا كانت قبلنا وهكذا ستبقى بعدنا، علينا أن نكون واقعيين ونحياها كما هي، وعلينا ونحن نخوض غمارها أن نحمد الله على العافية ونتأدب معه إذا شاء أن يمضي قدره!

بقلم : أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
08/10/2017
11802