+ A
A -
هاجر اللسان العربي... هاجر..
حصل على فيزا عمل في ستوكهولم، أخذ معه كل لغاليغه، ورحل.
ترك لنا كل ذكرياتنا معه وذكرياته معنا..
ترك لنا إرث امرئ القيس وعنترة والزير سالم، فهو لن يحتاج لذلك في ستوكهولم.
ترك الضاد، وترك الطاء، وترك الراء.
مسكنا في لغاليغه على سلم الطائرة، نرجوه ونترجاه ونتوسل إليه ألا يرحل..
التفت إلينا باستهزاء وقال: ما ثمن أفصح قصيدة أقولها اليوم؟
قلنا: بلا ثمن، فالشعر اليوم هو الشعر العامي والشعبي.
قال: فما ثمن أبلغ خطبة أخطب بها اليوم؟
قلنا: بلا ثمن، فالخطب اليوم خطب الطبل والتطبيل والمطبلين.
قال: فما ثمن أعذب أغنية أنشدها اليوم؟
قلنا: بلا ثمن فالغناء اليوم يعتمد على الصدر والعجز، ولكن بمفهوم هيفاء وليس بمفهومك.
قال بغضب واستهزاء: الصدر والعجز يا أبناء شعبان...
ثم صعد السلم... وهاجر.
آخر ما ترك لنا من نوادره هذا القصة:
أمر الحجاج حرسه أن يطوفوا بالليل فمن رأوه بعد العشاء سكران ضرب عنقه، فطاف ليلة من الليالي فوجد ثلاثة فتيان يتمايلون وعليهم أمارات السكر، فأحاطوا بهم، وقال لهم صاحب الحرس:
من أنتم حتى خالفتم أمر أمير المؤمنين وخرجتم في مثل هذا الوقت؟
فقال أحدهم:
أنا ابن من دانت الرقاب له
ما بين مخزومها وهاشمها
تأتيه بالرغم وهي صاغرة
يأخذ من مالها ومن دمها
فأمسك عنه وقال: لعله من أقارب أمير المؤمنين.
ثم قال للآخر: وأنت من تكون؟
فقال:
أنا ابن لمن لا تنزل الدهر قدره
وإن نزلت يوما فسوف تعود
ترى الناس أفواجاً إلى ضوء ناره
فمنهم قيام حولها وقعود
فأمسك عنه وقال: لعله ابن أشرف العرب.
ثم قال للآخر: وأنت من تكون؟
فأنشد على البديهة:
أنا ابن لمن خاض الصفوف بعزمه
وقوّمها بالسيف حتى استقامت
وركباه لا ينفك رجلاه منهما
إذا الخيل في يوم الكريهة ولت
فأمسك عنه أيضا وقال: لعله ابن أشجع العرب
ثم ذهب بهم إلى الحجاج وأنشد عليه شعرهم.
وبعد التمحيص عنهم...
فإذا الأول ابن حجام، والثاني ابن فوال، والثالث ابن حائك.
ضحك الحجاج وقال:
فصاحة لسانكم حمتكم من السيف.

بقلم : بن سيف
copy short url   نسخ
09/10/2017
3104