+ A
A -
ما زالت مضاعفات استفتاء كاتالونيا، الذي اكد بأكثرية ساحقة خيار الاستقلال، تتفاعل على الصعيد الاسباني والاوروبي. الانزعاج والتوتر بلغ حده في مدريد عاصمة الحكومة المركزية لدرجة ان السلطات الاسبانية قامت بطرد مراسلة كردية قدمت لتغطية الحدث، وللبحث على الأرجح عن أوجه الشبه بين حال وطموحات شعبي الاقليمين كردستان وكاتالونيا. وما زالت تهدد برشلونة بعظائم الأمور، تبدو كأنها لم تستفق بعد من هول الصدمة وتتعامل مع الحدث كأنه كارثة من كوارث الطبيعة.
خطوة برشلونة شكلت في الأساس تحديا ليس فقط لاسبانيا، وانما لفكرة الوحدة الاوروبية وعلاقتها بمفهوم الدولة اليوم بعد نحو ستين سنة على اطلاق مشروع «السوق الاوروبية المشتركة» ونحو خمسة وعشرين سنة على التوقيع على «معاهدة ماستريخت» التي تأسس بموجبها «الاتحاد الاوروبي» بصيغته الحالية.
من هذا المطلق يبدو الاحراج الذي يخيم على مؤسسات الاتحاد تجاه الخطوة الكاتالونية مثير لأكثر من علامة استفهام. هل انه تعبير عن خوف من ان يؤدي انفجار اسبانبا الدولة الموحدة إلى انتقال العدوى إلى دولهم في المستقبل غير البعيد (انظر الحركات المطالبة بالانفصال في فرنسا وايطاليا وبلجيكا). كما ان ما يصعب فهمه هو ذلك الصمت الذي يلتزم به الاتحاد الاوروبي، الذي ومن خلال المجاهرة بالدفاع عن «دولة القانون» وليس «دولة الحق» يبدو وكأنه يدافع عن الدولة الاسبانية من دون الأخذ بعين الاعتبار أو حتى التلميح لتطلعات الشعب الكاتالوني.
يعتقد بعض المفكرين الاوروبيين الذين نظّروا لفكرة المواطنة الاوروبية ان الطموح والهدف من انشاء اوروبا موحدة هو الانتقال من شكل الدول القائمة إلى اشكال أخرى من الكيانات السياسية المابعد الدولة الوطنية؟ ألم يعمل المفوض الاوروبي السابق الفرنسي والاوروبي بامتياز جاك دولور على مدى سنوات من اجل وضع مداميك وقوانين «الدولة الاوروبية»؟ تخلي أو لامبالاة الاتحاد الاوروبي عن القيام بلعب دور الوسيط والمؤثر في أزمة اسبانيا العميقة يبدو وكأن همه فقط هو حماية «الدولة-الامة». ما يعني بقاء «الاتحاد الاوروبي» مجرد وعاء لمجموعة الدول الثماني والعشرين الاعضاء، تنسق بينها اقتصاديا وتجاريا وجمركيا وحدوديا.
اما اوروبا الفرد-المواطن الذي ينتمي إلى اوروبا بمفهومها الانساني وبمكوناتها الثقافية والتاريخية والحضارية بغض النظر عن الجواز الذي يحمله فلا تزال سرابا.
وهذا سيشكل بدون أدنى شك خيبة أمل للمواطنين الاوروبيين الذين يشعرون انهم كذلك، والذين يتطلعون إلى ان يصبحوا مواطنين اوروبيين قانونا من دون ان ينتموا إلى «الدولة-الامة». ومن هنا يكتسب خيار الاستقلال الكاتالوني اهميته اذ ان الكاتالونيين بامكانهم عندها ان يصبحوا مواطنين اوروبيين من دون ان يكونوا بالضرورة مواطنين اسبان. ويلفت الاوروبيون الشديدو الحماسة إلى انه في هذه الحالة يصبح جواز السفر الاوروبي مجرد نسخة عن الوطني. أما مهندسو فكرة المواطنة الاوروبية فانهم يعتقدون جازمين بانه عكس ما يعتقد السياديون من ان الوحدة الاوروبية قد حدت من سيادة الدولة-الامة، فانها لم تتمكن من اقتلاع هذه الفكرة القديمة التي دخلت في أزمة منذ زمن وباتت ملازمة لمفهوم السلطة. ويعتقد هؤلاء ان اوروبا بقيت لغاية اليوم أسيرة الدول.
لا يمكن بالتالي اختزال الأزمة الكاتالونية بانها فقط عبارة عن صدام بين قوميتين. وهي لم تفضح فقط وقوف «الاتحاد الاوروبي» عند عتبات الدولة-الأمة»، ولكنها كشفت عجز اوروبا الموحدة عن بناء اشكال جديدة من المواطنة والتعايش. فالفرنسي والايطالي والالماني والتشيكي والهولندي يريد ان يكون مواطنا اوروبيا وليس فرنسيا أو ايطاليا يحمل جوازا اوروبيا.
نعم هذا ما يناقشه الاوروبي اليوم، وهذه هي همومه واهتماماته. يريد ان يخرج من الدولة القومية إلى الفضاء الأوسع والأرحب. وهذا نقاش بطبيعة الحال بعيد سنين ضوئية عن حال العرب وعن اهتماماتهم!
بقلم: سعد كيوان
copy short url   نسخ
10/10/2017
2787