+ A
A -
يتَّفقُ الناسُ جميعًا عربُهم وعجمُهم، شرقُهم وغربُهم، وعلى اختلاف مللهم وأعراقهم ومستوياتهم الاجتماعية والاقتصادية، أن أي تجمع بشري لا بُد له من قوانين تحكمه، الأُسرة، والشركة، والورشة، والمدرسة، والوزارة، والدولة، حتى المقاهي جميعها محكومة بقوانين مكتوبة أو أعراف لها حكم القانون!
ولطالما كانت القوانين كالبشر منها ما هو مثير للضحك والغرابة ومنها ما يجعلك ترفع القبعة له احترامًا!
منذ أيام عرفتُ أن محاولة الهروب من السجن في ألمانيا والنمسا ليست جريمة، وليس لها عقوبة، فقط يُعاد الهارب ليستكمل عقوبته التي هرب منها، وإن كان من عقوبة تُنزل به فهي على ما يقترفه من أفعال أثناء هروبه، شأنه شأن الناس خارج السجن، والسبب في هذا أنهم يعتبرون السعي للحرية غريزة بشرية!
ليست السجون هي تلك المباني المحكمة الإغلاق فقط، وليست الزنازين هي تلك الحجرات الضيقة ذات القضبان فقط، هناك سجون على هيئة أوطان!
ليس بالضرورة أن تكون مقيدًا بالسلاسل لتكون سجينًا، هناك قيود أعتى من هذا وأشدّ، تكون أحيانًا على هيئة قوانين وأعراف! ومحاولة التحرر من هذه السجون المعاشة وغير المرئية ليست جريمة وإنما الرضى بها هو الجريمة الأبشع التي نرتكبها بحق أنفسنا وحق مستقبل أولادنا!
الوطن الذي ليس لك فيه رأي غير ما تراه الحكومة سجن!
الوطن الذي تنفق فيه دم قلبك لتعليم أولادك ثم تجلس وتنظر إليهم عاطلين عن العمل لأنه ليس عندك واسطة سجن!
الوطن الذي يُعالج فيه الثري ويموت فيه الفقير على أبواب المستشفيات سجن!
الوطن الذي يريد منك الضرائب ومتى احتجته قال لك «اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون» سجن!
الوطن الذي تستعين حكومته عليك بشيوخ الريموت كنترول والفتاوى المعلبة المفصلة على مقاس الحاكم سجن!
الوطن الذي تقسم عقاراته وتشبك أراضيه أمام ناظريك بينما العقار الوحيد المسموح لك تملكه قبر كمكافأة نهاية الخدمة سجن!
الوطن الذي ترتعدُ فيه من رؤية شرطي بدل أن تشعر بالأمان، سجن!
الوطن الذي تدخل محكمة فيه وأنت ترتجف كمن يدخل على مقصلة لأنك تعرف أن العدل أساس الملك ليس إلا شعارًا فوق رأس القاضي، سجن!
حتى إذا غضبوا عليك أصدروا قرارًا بمنعك من السفر، ألا ترى أنهم يقرون ويعترفون أن العيش في هذا الواقع عقوبة، وأن وطنًا كهذا سجن!

بقلم : أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
10/10/2017
2964