+ A
A -
الشرق الأوسط ما زال يغلي كالمرجل بعد (100) عام من سايكس بيكو و(2000) يوم من إحراق بوعزيزي نفسه بسبب عربة خضار! العنوان الرئيس في الشرق الأوسط اليوم هو نفس العنوان القديم (التـقسيم السري والعلني) وأضيف لذلك الفوضى الخلاقة والبراميل المتـفجرة! كل حدث يحدث في وضح النهار أو في الليل البهيم وكل خبر تــتـناقله وسائل الأعلام عن أحداث الشرق الأوسط الجديد من اغتيالات أو تصفيات أو قصف أو عنف أو اشتباكات أو مفاوضات أو (إسقاط طائرة تركية في عمق الأراضي التركية) يقف خلفه (استراتيجيات) ربما لن تظهر على السطح إلا بعد سنوات من الزمن وشلالات من الدماء!
أكثر ما تـتصف به أزمات الشرق الأوسط الجديد أنها ما زالت تـقوم على فلسفة التـقسيم وتـفكيك المفكك القديمة محاطة من كل جانب بالكثير من الغموض والخفايا والاتـفاقات السرية والشد والجذب وتحالفات وتـناقضات ومناورات وقصف قوى الاستكبار العالمي للناس الأبرياء بالطائرات! كأنني تذكرت شعار بوش الصغير «الصدمة والرعب»! لذا، نستطيع القول إن الشرق الأوسط الجديد يشابه الشرق الأوسط القديم ولم يتغير شيء إلا تـغول دكتاتوريات وطنية (كما يقال) لم يخلق لها في التاريخ مثيل!
من أكثر أخبار أزمة الشرق الأوسط إثارة خبر إسقاط طائرة تركية في عمق الأراضي التركية بصاروخ موجه من قبل المقاتلين الأكراد ما يمثل نـقلة نوعية في الصراع المميت الذي تخوضه تركيا على أراضيها مع المتمردين الأكراد ولهذا الصراع بلا أدنى شك امتداد واضح وتداخل مسموم مع الأزمة السورية وتـشظياتها! يضاف إلى القلق الكردي تواجه تركيا قلقا مرسلا من تـنظيم الدولة الذي يقصف تجمعات مدنية في بعض القرى والبلدات التركية الحدودية ما يزيد من درجة التوتر العسكري إلى حدها الأقصى! علاوة على ذلك يستمر الاستـفزاز السياسي والإعلامي لتركيا من قبل روسيا وأصدقائها وربما كذلك من قبل (أصدقاء تركيا) أو بعضهم! في محاولة لاستكشاف عمق الصبر التركي الذي يـبدو أنه سينـفد!
أخبار وأحداث الشرق الأوسط الجديد مثلها مثل أخبار وأحداث الشرق الأوسط القديم مليئة بالخفايا والمنعطفات والمفاجئات على مدار الساعة! على سبـيل المثال اغتيال قائد حزب الله مصطفى بدر الدين بالقرب من مطار دمشق كان عملا غامضا لكن الأكثر غموضا من ذلك بـيان الحزب وتـفسير الاغـتيال بقصف مدفعي من المقاومة السورية وهذا ما لا يمكن تصديقه أبدا! كالعادة حزب الله لم يقل الحقيقة ولا ربعها وسكب مزيد من الغموض على عملية الاغتيال الغامضة ما جعل المراقبين للأحداث يتوقعون انـقساما عنيفا في عمق قيادات حزب الله نفسه وربما في عمق الحلف الشيطاني الذي يكيد للشعب السوري ويزيد عذاباته!
وقريـبا من هذا المنعطف في مسيرة حزب الله العدوانية في سوريا، رصف الثوار السوريون منعطفا آخر أشد قسوة على الأصابع الإيرانية في سوريا متمثلا في مجزرة الحرس الثوري في خان طومان التي حركت الماء الراكد عند الإيرانيين وميليشياتهم الأفغانية والباكستانية والعراقية ما دعا إيران وميليشياتها للانـتـقام من النساء والأطفال في حلب وإدلب في ظل صمت دولي مريب! مازال العالم المتواطئ يمارس أساليب الحرب القذرة نفسها ومقـتضاها مبادلة الخسائر العسكرية على الأرض بالأرواح المدنية في المدن والبلدات وحتى في مستشفيات أطباء بلا حدود...! التي لا تجد من يحميها بسبب (فيتو) ظالم و(منطقة أمنة) ممنوعة! لكن نلحظ من هذه المأساة السورية المستمرة اختلافا طفيفا حيث أن تـقسيم الشرق الأوسط القديم كان على الورق أما تـقسيم الشرق الأوسط الجديد فهو بالدم!
العنوان البارز للشرق الأوسط القديم كان التـقسيم أو التـفكيك وما زال الأمر كما هو حيث شهدت الغوطة الشرقية تـفكيكا مرعبا بتعاظم الاختلافات والاشـتباكات ونزيف الدم الحرام بين المسلحين التابعين لبعض تـشكيلات المعارضة السورية! المشكلة هنا إن هذا التـفكك أو التـفكيك المقصود للثوار السوريين كما هو الحال في أماكن أخرى يحدث والوحش الطائفي يحشد بالقرب منهم ولن يرحم منهم أحدا حتى الأطفال الخدج في حاضناتهم! في الشرق الأوسط الجديد كما في الشرق الأوسط القديم، الأصابع الدولية مازالت تعبث بالقوى المحلية لتحقيق أهداف السيطرة والاستحواذ!
بالعودة إلى ذكريات سايكس-بيكو السيئة نجد أن قوى الاستكبار أو الاستعمار العالمي (لا فرق) تحاول بناء استراتيجياتها الجديدة على أساس من الأساليب القديمة نفسها: تـشـتيت الكل إلى أجزاء مفككة، وخلط الأمل بالسلام والمفاوضات مع الخوف من قصف الطائرات وتحويل القيادات المحلية إلى موافقين ومتواطئين أحياء أو معارضين أموات! وكما يقال «التاريخ يعيد نـفسه»!
د. صنهات بن بدر العتيـبي
copy short url   نسخ
17/05/2016
2595