+ A
A -
أجمل وأرق وصف للمثقف الواعي هو الذي أطلقه الكاتب الروسي مكسيم جوركي على نظيره أمير القصة القصيرة «انطوان تشيكوف» لم ألتق برجل مثله يحس بأهمية العمل كأساس للثقافة، فقد كان يحب البناء وزراعة الحدائق وتزيين الأرض، ويحس بشاعرية العمل ويرقب دائما نمو الأعشاب وأشجار الفاكهة التي زرعها بنفسه، إن الرقي والرقة والشاعرية والتماهي مع الطبيعة الأم من سمات الإنسان الذي نطلق عليه «مثقف» ويرى السير «دوجلاس ليوبولد» أن أهم المكونات الضرورية لشخصية الإنسان المثقف هي صفة الإنسانية، إذ لا نستطيع أن نصف إنسانا بأنه مثقف إذا لم تكن لديه هذه الصفة...أي صفة «الإنسانية» والإنسانية نفسها تتمثل في اربع صفات أخرى هي – رحابة الخيال، والتسامح، والبساطة، وروح الدعابة، فالخيال هو الصفة التي يضيفها الإنسان الذكي إلى ما يقرأ أو يكتب لكي يزداد فهما، ولكي يجعله أقرب إلى الحياة والواقع، أما عن التسامح فإن المثقف يرى أن الحقيقة هي أمر نسبي، وإن الجمال يشبه قوس قزح في تعدد ألوانه، وإن الموسيقى هي عملية تأليف وتآلف بين نغمات مختلفة، وإن العالم هو ألوان شتى من البشر، وهذا التعدد والتنوع في الحياة والطبيعة يخلق في النفس إحساسا بالنشوة ولا يترك فيها أي إحساس بالضيق، أو الملل، ومن البديهيات بعد ذلك أن البساطة في العيش والتفكير هي أكثر المثاليات صوابا، وهي الهدف الصحيح للحضارة والثقافة، لأن الحضارة حين تفقد البساطة لابد أن ترتبك ثم تصيبها حالة من التخبط والضياع، أما الصفة الرابعة التي يحتاج إليها المثقف فهي «الدعابة» والدعابة قادرة بصورة كيميائية على أحداث تحول في أفكارنا وتجاربنا، كما أن الدعابة تقترن بالمنطق السليم، وبالخضوع للعقل، كذلك فإن الدعابة تمنحنا القوة الذهنية الماكرة والقادرة على الكشف عن التناقضات والحماقات والمنطق الفاسد، وتلك هي أسمى صورة للذكاء البشري وحس الدعابة والقدرة على الضحك.. والإضحاك عبقرية، هناك المئات وربما الآلاف من حولنا قادرون على استدرار دموعنا.
والتنكيد علينا، وهناك العشرات وربما أقل من ذلك قادرون على رسم الابتسامة على وجوهنا، وهم أولى بالاهتمام والحب والتقدير.. إن قيمة الثقافة كما عبر عنها الكاتب الإنجليزي «سومرست موم» تكمن في تأثيرها على الشخصية، وهي لا تساوي شيئا ما لم تسمٌ بالمرء وتمده بالقوة، أن فائدتها
مرتبطة بالحياة، وهدفها الخير والجمال معا، وكثيرا ما تبعث في نفس الإنسان الرضا والسرور، وما أشد سخف المثقفين إذ يعتقدون أن معرفتهم وحدها هي ذات الشأن، إن الحق والخير والجمال ليست من احتكار الذين تخرجوا في المدارس باهظة التكاليف وانغمسوا في المكتبات وترددوا على المتاحف، ليس للفنان أي حق في التعالي على الآخرين، وما أشد حمقه إذ يعتقد أن معرفته أهم من معارف غيره.
بقلم : وداد الكواري
copy short url   نسخ
15/10/2017
3072