+ A
A -
يدور صراع بين كندا والدنمارك حول السيادة على جزيرة «هانس» وهي جزيرة صغيرة جداً وغير مأهولة، تقع عند مدخل المحيط القطبي فيما يعرف بممر «كندي». ويربط هذا الممر بين جزيرة غرينلند الدنماركية وجزيرة «الليسمر» الكندية.
تشبه «هانس» شكل الكلوة، وتبلغ مساحتها 1.3 كيلومتر مربع فقط. وقد أثبتت الدراسات انه لا حياة بشرية فيها لا الآن ولا سابقاً، وانه لا ينمو عليها شجر أو عشب، وإنه لا معادن، وخاصة لا نفط ولا غاز في جرفها القاري. وحتى الثروة السمكية في مياهها تكاد لا تذكر، ولا تشكل أي عنصر جذب للصيادين.
مع ذلك تتمسك بها الدولتان، كندا والدنمارك. وتتصارعان حول إثبات السيادة عليها إلى حد التهديد باستخدام القوات المسلحة.
فالجزيرة الصغيرة تقع وسط ممر بحري مغلق معظم ايام السنة بسبب الجليد، إلا ان ارتفاع حرارة الأرض وذوبان قسم كبير من الجليد القطبي، فتح ممرات بحرية في المنطقة عبر القطب الشمالي. وقد تصبح هذه الممرات في أهمية قناة السويس، أو قناة «بنما» بالنسبة للملاحة البحرية في المستقبل القريب.
وتتقاسم السيادة على هذه المنطقة القطبية كل من الولايات المتحدة والاتحاد الروسي وكندا والنرويج والدنمارك. ومن هنا تبرز أهمية جزيرة «هانس»– وتالياً أهمية السيادة عليها-. فالكنديون يتهمون الدنمارك «باستعمار» الجزيرة، والدنماركيون يتهمون كندا «بانتهاك سيادتهم الوطنية على الجزيرة». اما إعلام الجانبين الذي كان يتعامل مع القضية على أنها نكتة سياسية، فقد بدأ الآن يعيد النظر في موقفه!
يدّعي الكنديون ان مكتشف الجزيرة كان بريطانياً، وانه هو الذي أطلق عليها الاسم الذي تحمله، وبما ان كندا ورثت كل التركة الاستعمارية البريطانية في المنطقة، فإن هذه التركة تشمل بالضرورة الجزيرة ايضاً.
غير ان الدنماركيين أثبتوا ان مكتشف الجزيرة وكان اسمه تشارلز فرنسيس هول، لم يكن بريطانياً، ولكنه كان أميركياً، وانه أعطى الجزيرة اسم الدليل الذي كان يرافقه وهو من غرينلند، أي من الدنمارك.. وكان اسمه هانس هندريك، وقد حدث ذلك في 29 أغسطس عام 1871.
في ذلك الوقت كانت الولايات المتحدة تدّعي السيطرة على غرينلاند، الا انها تخلت عنها للدنمارك في عام 1916 بعد أن عقدت معها صفقة في مكان آخر.
فقد «اشترت» منها مجموعة من الجزر في البحر الكاريبي تعرف اليوم باسم الجزر العذراء الأميركية. وذلك بمبلغ قدره 250 مليون دولار فقط (ثمن شقة اليوم في بناية من بنايات مدينة نيويورك).
وبعد هذه الصفقة أكدت الدنمارك سيادتها شمالاً على كل اراضي جزيرة غرينلند وعلى جميع سكانها من قبائل «الاينوغيتس» الذين يشكلون واحداً بالمائة من الشعب الدنماركي، ويعتقد انهم هم الذين أطلقوا على جزيرة هانس اسمها الذي يعني بلغتهم المحلية «الكلوة».
مع ذلك لم تأخذ جزيرة هانس موقعها على الخريطة الرسمية الا في عام 1967، وكانت تلك الخريطة كندية. وفي عام 1973، -أي بعد ست سنوات- دخلت كندا في مفاوضات مع الدنمارك لتقاسم الجرف القاري الواقع بينهما على أن تبقى الجزر الواقعة في المنطقة خارج هذه العملية ليتم التفاوض على كل واحدة منها على حدة. ولكن الطرفين فشلا في الالتزام بهذه الصيغة، وهو الفشل الذي أوصلهما إلى الأزمة الحالية.
وبعد مرور عقد من الزمن اتفق الطرفان الكندي والدنماركي في عام 1983 على تقاسم مسؤولية القضايا المتعلقة بالحياة البحرية والبيئية في المنطقة. ولكنهما لم يتفقا على تقرير مصير الجزيرة المتنازع عليها.
ولإثبات السيادة على الجزيرة، بادرت كل من الدنمارك وكندا إلى غرس علمها على التلة الصخرية الأكثر ارتفاعاً فيها. وفي كل مرة كان الكنديون يزرعون علمهم، كان الدنماركيون يبادرون إلى إزالته وزرع علمهم الوطني مكانه، وبالعكس.
وفي عام 2007 جاء الترياق من صورة بثتها الأقمار الاصطناعية. فالصورة «تثبت» ان رسم الجرف القاري الذي تم التفاهم عليه بين الدولتين الأطلسيتين في عام 1973 يقسم جزيرة هانس المتنازع عليها مناصفة بين كندا والدنمارك.
وفي العام التالي (2008) أعطت الدولتان الإذن لمجموعة من العلماء من بريطانيا واستراليا وكندا والدنمارك لإقامة محطة للأرصاد الجوية فوق الجزيرة.
وهكذا تحولت الجزيرة الضائعة في القطب الشمالي من نقطة صراع ساخن.. إلى نقطة التقاء جماعي شديدة البرودة.

بقلم : محمد السماك
copy short url   نسخ
18/10/2017
2596