+ A
A -
لقد بددَ العرب أحلامهم العظيمة سنواتٍ طويلة بسبب تخبطهم وخياناتهم المتكررة وعدم اتفاقهم على خيرٍ واحد، دومًا كان هناك شيطانٌ يستفزُّ تجمعهم ويبددهم عندَ أقربِ خلاف، والمسألة أنَّ كل الأحلام المشتركة تُنتهك داخليًا بسبب الواقع العربي المتأزِّم في مشرق أراضينا إلى مغربها، هذا ما حصل بالتمام عندما وصل أحد أبناء العروبة واقترب من اعتلاء قمة اليونسكو هذه المنظمة الدولية الثقافية العامّة، فهذا الحلم المشترك القديم لم يخضع لموقف الإنصاف الاستراتيجي العقلاني، لكنه تأثر أيَّما تأثر بالأوضاع السياسية التي تربط الأشقاء العرب.
لقد كانَ ترشيح الدكتور حمد بن عبدالعزيز الكواري لمنصب المدير العام لمنظمة الأمم المتحدة للعلوم والتربية والثقافة (يونسكو) من الأنباء الوطنية السعيدة جدًا، فهو من الشخصيات القطرية التي تتمتع بخبرة واسعة في مجال الدبلوماسية الدولية، وكان قد مثل قطر لسنواتٍ طوال لدى منظمة اليونسكو، هذا عدا اضطلاعه العريض في مجالات الثقافة والفنون والتراث، الأمر الذي يجعلهُ أهلاً لخلافة مديرة المنظمة الحالية؛ البلغارية إيرينا يوكوفا.
قارئي العزيز، للأسف الشديد لم يُنظَر إلى الموضوع من منظار أن مسلمًا عربيًا اقترب من هذا المنصب الدولي، دول الحصار المتحزِّبَة لم تفكر أنَّهُ أينما وصل أيُّ مسلمٍ وصلَ الإسلام وأينما تضعضع كانت الهزيمة للعموم، إنَّ التآمُرَ الماكِر كان فعلاً طفوليًا وضيعًا لا يقومُ بهِ الكبار في كُل شيء، يقومُ بهِ صغارُ القومِ حجمًا ووزنًا، فوا أسفاه على تحطيمهم لذاتهم أكثر وأكثر.
إنَّ الثقافة العربية العظيمة كانت أولى أن تنتشر وتتسيّد في هذا المنبر الأممي؛ منبر اليونسكو، خاصةً في هذه الحقبة الزمنية الحساسة من تاريخ الأمة، فهذه الثقافة كان لها كل المجد في نقل العلوم إلى أوروبا التي أسست على شكل متواتر الأساس المتين الذي انطلقت منه الحضارة الأوروبية في مختلف جوانبها الثقافية والحضارية والعلمية.
إنَّهُ واضحٌ لذوي الألباب، أن دولة قطر تتفق في سياستها مع أهداف هذه المنظمة الأممية في إحلال الأمن والسلام من خلال تعزيز التعاون الدولي عن طريق التعليم، والعلم والثقافة وذلك من أجل إحلال الاحترام للعدالة، ودور القانون وحقوق الإنسان والحريات الأساسية التي تمَّ إعلانها في ميثاق الأمم المتحدة، كما أنَّ أدوار قطر الدولية واضحة لذوي الألباب السليمة في بناء السلام، تخفيض الفقر وتحقيق التنمية المستدامة، بالإضافة إلى خلق حوار من خلال التعليم والعلوم والثقافة، والمناداة بتحقيق التعليم المتساوي للجميع والتعليم على المدى الطويل، من خلال مواجهة التحديات الاجتماعية والأخلاقية ومواجهة التنوع الثقافي وبناء ثقافة تقوم على مفهوم السلام والعلوم الشاملة من خلال خلق بيئات إيجابية للتواصل وتبادل المعلومات.
إنَّ قطر كانت ومازالت مؤهلة لاستحقاق أحد أبنائها الأوفياء لهذا المنصب الدولي، فرغم الحِصار الجائر إلا أنَّ هذا الوطن كان قد اقتربَ بشكلٍ واثِب من قيادة الهرم الثقافي الدولي وذلك بسبب انفتاح الثقافة القطرية عالميًا، واعتبار التعليم بشكلٍ خاص، أنجع طريقة لمكافحة الفقر وتحسين الصحة والرفاه وتوليد النمو وتعزيز المواطنة المسؤولة، وهنا تجدر الإشارة إلى أنَّ ترشُّح دولة قطر للوصول لقمة اليونسكو لا يمكن أن يتمّ اختزاله بقطر فقط، بل هو لتمثيلٌ للوجه المشرق الذي تعكسه الحضارة العربية العظيمة، فهو بالنتيجة إنجازٌ سعيد لأبناء الأمة الإسلامية والعربية الذين يمكنهم الوصول إلى هذه المنظمة بلا شك، شرط أن يغلِّبوا حكمتهم على غضبهم وتحزُّبهم، وأن يتجاوزوا صغائر وكبائر الخلافات فهي لا تدومُ أبدًا، فالمواقف هي التي تدوم، والتعاون والأخوَّة الحقة هو الذي يستمرُ إلى أمدٍ بعيد.
بقلم : خولة مرتضوي
copy short url   نسخ
20/10/2017
2687