+ A
A -
في بداية عملي الصحفي كان لدي رعب مرضي من السفر بالطائرة لا يمكن وصفه، ولأنني كنت صحفيا ملزما بتلبية المهام الخارجية التي تقررها جريدتي فلم يكن أمامي من خيار سوى المعاناة في صمت بانتظار الرحلة وعدم النوم ليالي متواصلة أحيانا قبل موعد السفر، رغم أن الانطباع السائد لدى الزملاء وقتها كان أنني أستمتع ولا شك بهذه الرحلات.
أتذكر كيف كانت الرحلات الطويلة خاصة إلى أوروبا وآسيا تنقص من عمري أياما– حرفيا– فقد كنت أقضي كل الرحلة وأنا أراقب المحركات وأحاول تبيان طبيعة الأصوات التي أعتقد أنها غير طبيعية فضلا عن مراقبة سلوك المضيفات والمضيفين لاعتقادي أن أي طارئ سينعكس على سلوكهم فورا بسبب تراكم الخبرات.
كنت ذات مرة مسافرا إلى دبي ولاحظت أن الطائرة كانت تطير على ارتفاع منخفض فوق سطح البحر رغم أن مدينة دبي لم تكن ظاهرة في الأفق، كان يجلس إلى جواري رجل إنجليزي فسألته فورا: هل تعتقد أن ثمة خطبا ما فأجابني بلا مبالاة: وإن كان ثمة خطب ما، ماذا يفيدنا أن نعرف؟!
في السنوات التالية، حدث معي خلال أسفاري بالطائرة كل ما يمكن أن يخطر على بال، ففي رحلة في إحدى المرات إلى بودابست في شتاء عام 2006 هبطنا بعد 5 محاولات فاشلة بسبب تراكم الثلوج على المدرج وبعد أن أكد لنا الطيار صراحة أنه ليس بوسعنا الطيران إلى مطار آخر بسبب عدم كفاية الوقود، وعلمت لاحقا أن المطار أغلق في وجه الرحلات الجوية ذلك اليوم وإن طائرتنا كانت آخر طائرة تأخذ إذنا بالهبوط لعدم قدرتها على التحليق لمطار آخر.
بعدها بعام كنت شاهدا على محاولة شاب عربي فتح باب الطائرة التي كنت أستقلها من الدوحة إلى الدار البيضاء وبعد صراع في الجو بدأ تقريبا فوق مدينة جدة السعودية وانتهى في القاهرة حيث هبطنا اضطراريا خضت أنا و4 شبان آخرين– كنا الرجال الوحيدين على الطائرة- معركة حقيقية بالأيدي مع عملاق بشري محاولين ثنيه عن فتح باب الطائرة أو كسر زجاج النافذة وهو يصرخ بشكل هستيري أننا كفار ويجب أن نموت!
مررت كذلك بتجربة أن يعجز الطيار عن إخراج العجلة الأمامية أو ما يسمى بـ«النوز وييل» وتحليقه في الجو لمدة ساعة ونصف الساعة فوق المدينة التي كنا نقصدها قبل أن تخرج العجلات في نهاية المطاف.
كما جربت شعور أن تجلس في طائرة من طراز بوينغ 777 وتشاهد بلا حول ولا قوة محاولات طيار محترف الهبوط بها في ليلة عاصفة بعد أن توقف أحد محركيها عن العمل وهو ما عايشته في رحلة رافقت فيها الزميل أحمد علي المدير العام لدار الوطن من لندن إلى جنيف لمقابلة الرئيس السابق لمنظمة التجارة العالمية مايك مور قبل نحو 12 عاما.
في المحصلة أسافر اليوم وكأنني جالس على أريكتي في منزلي دون أدنى شعور بالخوف بعد أن علمتني كل هذه التجارب أن لكل أجل كتابا، وأن عمر الإنسان لن ينتهي إلا عندما يحين أجله حتى لو كان جالسا وسط بركان متفجر.

بقلم : لؤي قدومي
copy short url   نسخ
18/05/2016
2283