+ A
A -
إذا كان الأصل أن الأحزاب السياسية في مهامها المركزية تقوم بجملة من الواجبات الأساسية والتي يمكن اختصارها في نقاط أهمها تأطير المواطنين وإيجاد منفذ للفاعلين السياسيين للعمل والتأثير، وإعداد الكوادر القادرة على إدارة الشأن العام وهي من الناحية التنظيمية الأطر القادرة على اجتذاب العناصر النوعية ومنحها الفرصة للقيادة وتصدر العمل العام.. فإن متابعة المشهد العام يوحي بغياب هذا الدور أو على الأقل ضعفه الشديد.
وإذا كان الدستور التونسي الجديد قد خصص فصلاً يؤكد بوضوح أن «الشباب قوة فاعلة في بناء الوطن وتحرص الدولة على توفير الظروف الكفيلة بتنمية قدرات الشباب وتفعيل طاقاته وتعمل على تحمله المسؤولية وعلى توسيع إسهامه في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية» (الفصل الثامن من الدستور)..
وينص القانون الانتخابي على ضرورة وجود تمثيلية للشباب ممن تقل أعمارهم عن 35 سنة في القوائم الانتخابية، وفي ذات السياق تعتزم السلطة السياسية تنظيم مؤتمر وطني للشباب للبحث في المشكلات الحادة التي يعانيها هذا القطاع الحيوي في المجتمع التونسي.
تبقى كل هذه الإجراءات على أهميتها مجرد خطوات قد يغلب عليها الجانب الشكلي من الناحية الواقعية فمازالت الأحزاب السياسية التونسية خاضعة في كياناتها وتركيبتها القيادية للجيل القديم، فمعظم قيادات الأحزاب السياسية التونسية تنتمي إلى شريحة عمرية جاوزت الستين وهو ما منع الشباب من تولي مناصب قيادية والتأثير على الخيارات المركزية للتنظيمات السياسية وهو ما دفعه إلى الانشقاق والتشكل في مجموعات صغيرة من جهة أو إلى عزوف جيل الشباب عن الممارسة الحزبية، بل وحتى الانخراط في الشأن العام (مثل المشاركة في الانتخابات) وهو ما مَكَن القوى الأكثر تنظمياً من اكتساح المشهد الانتخابي وأعطى الفرصة لقوى النظام القديم للعودة إلى السلطة.
إن الثورة التونسية في أصلها ثورة شبابية بامتياز تحمل مضامين اجتماعية ومطالب في الحرية ورغبة في التأسيس لدولة الحقوق والمواطنة غير أن تطورات المشهد السياسي بعدها ورغم الخطوات التي تحققت في المسار الديمقراطي مازالت بعيدة عن تحقيق أهداف الشباب التونسي.. دون أن يعني هذا نفي وجود مبادرات على الأرض لنشاط سياسي شبابي يجد تعبيراته، خاصة في تحركات احتجاجية على الأرض ومطالبات بالحق في التشغيل والدعوة إلى محاربة الفساد، غير أنه يظل من الضروري أن تحاول القوى الحزبية ومنظمات المجتمع المدني وقبل هذا وذاك أجهزة الحكم أن توجد الآليات الضرورية لإدماج الشباب في العمل السياسي، لأن توسع حالة العزوف عن المشاركة قد يفضي إلى نتائج وخيمة كأن يتم استقطاب الشباب لمصلحة الجماعات الإرهابية أو أن يتم تحويلهم إلى رصيد احتياطي للانحراف الاجتماعي، وعلى قادة الأحزاب السياسية إدراك أن الشخصانية والتعنت والرغبة في تصدر المشهد من جانب، وانسداد قنوات التعبير داخل الأحزاب الكبرى، فضلاً عن تشبث القيادات بمواقعها من جانب آخر، هما السببان الجوهريان لحالة الإقصاء غير المعلن للقوى الشبابية في المجتمع التونسي.
إن العمل الحزبي بصورته المثلى يقتضي إيجاد آليات لضمان استمرارية الكيانات السياسية وقدرتها على التجدد الداخلي، ولا يكون هذا بغير بناء جيل شاب قادر على تحمل المسؤوليات بعيداً عن منطق الوصاية التي يفرضها القادة التاريخيون للأحزاب.. إن أزمة المشاركة السياسية للشباب في الأحزاب السياسية التونسية بعد الثورة تكمن في أن هذه الأخيرة لم تصل بعد إلى درجة النضج وفهم معنى الحزب السياسي في بنيته العميقة باعتباره وبالدرجة الأولى مدرسة للتربية السياسية للمواطن.

بقلم : سمير حمدي
copy short url   نسخ
24/10/2017
4936