+ A
A -
الرئيس الأميركي هاري ترومان هو الذي اتخذ القرار التاريخي بقصف هيروشيما وناكازاكي بالقنابل النووية. ولكن ترومان نفسه، وقد أدرك هول هذه القنابل، هو الذي اتخذ القرار بحصر اتخاذ الأمر باستعمال السلاح النووي بالرئيس وحده، بعد ان كان يشارك في اتخاذ القرار وزراء وعسكريون من إدارته.
عندما جرى بحث موضوع استخدام السلاح النووي ضد اليابان، كان الهدف الاساس هو العاصمة التاريخية كيوتو. وهي مدينة معابد وحدائق عامة ومبان اثرية تُعتبر واحدة من أجمل مدن الدنيا.
في عام 1920 زارها هنري ستيمسون الذي اصبح فيما بعد وزيراً للخارجية في إدارة ترومان. ومن شدة إعجابه بالمدينة تمنى على الرئيس أن يحول الهدف من كيوتو إلى هيروشيما ونجازاكي. يومها برّر التمني بأن المدينتين صناعيتان، وأن تدميرهما يشكل ضربة للصناعة العسكرية اليابانية. أما كيوتو فانها مدينة تاريخية وعبارة عن حديقة عامة كبيرة.
وافق ترومان على التمني وأمر بإلقاء «الرجل السمين» (خمسة أطنان وزن القنبلة الواحدة)، وهو الاسم الذي أُعطي للقنبلة الذرية على هيروشيما، في السادس من آب – أغسطس وفي التاسع منه على ناجازاكي.
أدت تلك العملية إلى انقاذ كيوتو، ولكن مئات الآلاف من اليابانيين في المدينتين الأخريين دفعوا حياتهم ثمناً لها. لم يكن إنقاذ كيوتو بلا ثمن. وهذا ما يفسر مشاركة أهلها في مراسم إحياء ذكرى إلقاء القنبلتين، وكأن الفاجعة حلّت بهم.
لقد اعتقد الرئيس ترومان في ضوء نصائح وزير خارجيته ستيمسون ان هيروشيما وناجازاكي مدينتا مصانع عسكرية، وبالتالي غير مأهولتين بالسكان. ولكن تشاء الصدف أن تسقط قنبلة ناجازاكي فوق الكاتدرائية الكاثوليكية الكبيرة في المدينة لتحولها إلى رماد. ولم يعرف ترومان بذلك إلا بعد وقوع الكارثة، كما اشار إلى ذلك في مذكراته عن أحداث يوم الخامس والعشرين من تموز – يوليو.
يومها كتب في مذكراته: «إن البدء بشنّ حرب نووية امر لا يمكن أن يفكر به إنسان عاقل».
لقد قتل في المدينتين من المدنيين والعمال عشرات الآلاف. أما الضحايا من العسكريين فكان قليلاً جداً..
تعكس هذه الحادثة دور الثقافة في القرار السياسي. فوزير الخارجية ستيمسون أنقذ كيوتو من الدمار بسبب شدة إعجابه بتراثها الثقافي والجمالي.. ولكنه تسبب بكارثة مفجعة في مكان آخر.
وأثناء أزمة «خليج الخنازير» بين الولايات المتحدة (جون كيندي) والاتحاد السوفياتي السابق (نيكيتا خروتشوف)، تعرض الرئيس الأميركي لضغوط من مستشاريه ومن وزراء في إدارته لاستخدام السلاح النووي. يومها ردّ كيندي على هذه المطالب بدعوة اصحابها إلى قراءة كتاب المؤرخة الأميركية بربارة توشمان، وكان عنوانه: «مدافع آب(أغسطس)».
وفي هذا الكتاب تروي المؤرخة الأميركية كيف ان أوروبا استُدرجت إلى الحرب العالمية الأولى، وكيف ان تلك الحرب أدت إلى قتل مئات الملايين والى تهديم مدن والإطاحة بدول وعروش.
وقال كيندي لمستشاريه «لا اريد أن يكتب مؤرخ آخر يوما ما كتاباً عن هذه المرحلة الدقيقة التي نمرّ بها ويعطيه عنوان: صواريخ أكتوبر». وكان لبعد نظره المستند إلى ثقافته، الدور الأساس في إنقاذ الانسانية من مجزرة نووية جديد.
من هنا ترتفع علامة استفهام كبيرة في الولايات المتحدة حول ماذا كان يمكن أن يحدث للعالم، لو ان كيندي لم يكن رئيساً مثقفاً وقارئاً للتاريخ؟. هل كانت الكارثة النووية في هيروشيما وناكازاكي قد حلّت بالانسانية مرة ثانية في عام 1962؟.
يُطرح هذا السؤال على خلفية الحقيقة المعروفة عن الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب. فهو رجل مال وأعمال، ولم يكن في أي وقت من الأوقات رجل ثقافة، أو قارئاً للتاريخ وللعلوم السياسية.
انه يعترف، والأميركيون يعرفون جيداً، انه لا «يضيع» وقته في قراءة الكتب، لأنه لا يستمتع بقراءتها. وان قراراته تصدر عن رد فعل فوري. من هنا كان القلق الشديد عندما بدأت الأزمة مع كوريا الشمالية.. فلا ترامب هو كيندي ولا كيم يونغ يو هو خروتشوف!!
مع ذلك مرت (؟) الأزمة بسلام ولو بشكل مؤقت.
يقول ترومان انه لم يندم على قرار اتخذه كما ندم على إصدار الأمر باستخدام السلاح النووي.
كان موت الرئيس الأسبق فرانكلين روزفلت قد أدى إلى فتح أبواب البيت الأبيض أمامه من دون أن يكون مستعداً. لذلك ندم كثيراً عندما عرف ان معظم ضحايا التفجيرين النوويين كانوا من المدنيين والأطفال. لقد كان هدف القصف عسكرياً، الا ان الضحايا كانوا مدنيين.
يومها عمل ترومان بنصيحة مستشاريه بحجة «تسريع إنهاء الحرب»، وحمل اليابان على الاستسلام. غير ان مباحثات الاستسلام كانت قد بدأت قبل القصف النووي، وهو ما ألقى بثقله على ضمير الرئيس. ولذلك أعاد النظر في كيفية اتخاذ القرار وحصر سلطة استخدام السلاح النووي بالرئيس الأميركي وحده.
ترى لو كان الرئيس ترومان يعرف انه يمكن أن يصل إلى البيت الأبيض رئيس على شاكلة ترامب.. هل كان أصرّ على قراره؟.
بقلم : محمد السماك
copy short url   نسخ
26/10/2017
2415