+ A
A -
بعد «5» أشهر من المعارك الطاحنة والقتال الضاري الذي لم تشهده الفلبين منذ الحرب العالمية الثانية بين ميليشيات انفصالية متشددة بقيادة الإرهابي إيسنيلون توتوني هابيلون (من أسمائه الأخرى: أبو عبدالله الفلبيني، وأبومصعب، وصلاح الدين) والأخوين المسلمين عمر الخيام وعبدالله مواتي أعلن وزير الدفاع الفلبيني «دلفين لورنزانا» في الثالث والعشرين من أكتوبر انتهاء العمليات القتالية بتحقيق قواته النصر بعد 154 يوما من حصار فرضته جماعة مواتي (خليفة جماعة أبوسياف الإجرامية) ذات العلاقة بتنظيم داعش الإرهابي على مدينة مراوي، كبرى مدن جنوب الفلبين المسلم والذي يبلغ عدد سكانها نحو 300 ألف نسمة غالبيتهم من الكاثوليك.
غير أن النصر الذي أشار إليه الوزير الفلبيني تحقق كما ذكرنا بعد أشهر طويلة من القتال، كما أنه جاء بعد دمار هائل في الممتلكات والبنية التحتية، وعدد معتبر من القتلى والجرحى في صفوف كلا الفريقين، الأمر الذي يطرح علامات استفهام كبيرة حول مدى جاهزية القوات الحكومية في حماية أمن البلاد والعباد من الجماعات الإرهابية المتطرفة وعلى رأسها دواعش الشرق الأوسط الساعين إلى بناء قواعد وملاذات آمنة لهم في الشرق الأقصى تحسبا لهزيمة ساحقة ماحقة قد تلحق بهم في العراق وسوريا.
من هنا قيل إن النصر الفلبيني المعلن إنما هو نصر بطعم الهزيمة! وبعبارة أخرى كيف لم يستطع جيش حكومي مدجج بأحدث الأسلحة الغربية، ومدرب تدريبا عاليا، وله خبرة طويلة في مقاتلة الميليشيات منذ ثمانينات القرن الماضي، بل ومسنود أولا من شعبه وثانيا من طيران القوات الأميركية الحليفة أن ينهي لصالحه سريعا عملية استيلاء نفر ضئيل من الإرهابيين على دوائر الحكومة في مراوي في الثالث والعشرين من مايو الماضي، وظل يحارب طويلا إلى أن بلغت خسائر الجيش والشرطة 165 قتيلا مقابل 920 قتيلا في صفوف المتشددين و45 جريحا في صفوف المدنيين، دعك من نزوح 300 ألف نسمة وتحول مراوي إلى مدينة أشباح وأطلال، وهو ما يستدعي اليوم إنفاق ما لايقل عن مليار دولار أميركي لإعادة تعميرها وتأهيلها.
إلى ما سبق، وبالرغم من تصريحات قائد الجيش الفلبيني الجنرال «إدواردو آنو» التي قال فيها إن قواته طهرت مراوي من جميع الإرهابيين بالكامل ولم تسمح بفرار أي منهم، ناهيك عما أعلن في السادس عشر من أكتوبر حول القضاء على هابيلون ورفيقه عمر الخيام مواتي، وعما أعلن في الرابع والعشرين منه حول مقتل الخليفة المفترض لهابيلون وهو الماليزي محمد بن أحمد (43 عاما)، فإن هناك مخاوف من وجود من يتعاطف معهم أو يتبنى أفكارهم الشيطانية، خصوصا إذا ما أخذنا في الاعتبار حقيقة أن المئات من سكان مراوي انضموا إلى المجموعة الصغيرة من الإرهابيين الذين نجحوا في الاستيلاء على مدينتهم في مايو المنصرم، وأعلنوها عاصمة لإمارة داعش في جنوب شرق آسيا. وبطبيعة الحال فإن مثل هذه المخاوف مردها إمكانية تكرر ما شهدته مراوي أو حدوث السيناريو نفسه في مدن أخرى من جنوب الفلبين المضطرب.
وفي هذا السياق لا تكفي التطمينات والتبريكات وعبارات الدعم التي وردت على لسان وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس الاسبوع الماضي خلال زيارته الخاطفة إلى مانيلا. فالولايات المتحدة بجلال قدرها وعظمة قوتها الحربية الضاربة فشلت حتى الآن في القضاء قضاء مبرما على دواعش سوريا والعراق. وبعبارة أخرى يجب البحث عن بدائل لاجتثاث الفكر المتطرف وداعميه من خلال منظومة متكاملة تشارك فيها كل دول جنوب شرق آسيا.

بقلم : د. عبدالله المدني
copy short url   نسخ
29/10/2017
2325