+ A
A -
بلفور وراء القضبان !
بعد أن ثبت تماماً سقوط آخر أركان الشرعية المزعومة التي ادعت إسرائيل امتلاكها، وانتشرت الفضيحة الممهورة بتوقيع خبراء «اليونسكو» الدولية ذات المصداقية والاحترام، عبر الآفاق، ودقت باب البيت الأبيض الذي مازال يأبى الاستماع.. بعد أن ثبت ذلك، ها هو وعد بلفور الشائن، يبدأ في مئويته الأولى والأخيرة، رحلة المثول وراء قضبان البشرية بأكملها.
التاريخ له قضاته ومحاكمه، ومشوار المائة عام في دهاليز الكذب والجريمة المنظمة، ليست طويلة في حساباته، ما دامت الحقيقة قد أطلت برأسها أخيراً، رغم اعتقاد حكام الدولة المحتلة وحماتهم من رموز الصهيو- مسيحية، بأن الحروب الأهلية والعرقية والطائفية التي تآمروا لإشعالها، ستحجب الحقيقة ودخانها الكثيف، وستمكن دولة اللصوص من دق أوتارها في فلسطين إلى الأبد.
ولكن لا أبد هناك لدى صاحب الحق، إلا الأبد الذي يعيد ذلك الحق، ولا تاريخ هناك يدعم القصة الإسرائيلية المتهالكة التي أبت إلا أن تحتفل بمئوية بلفور في قاعة «ألبرت»، وهي ذات القاعة التي احتُفل فيها بإطلاق الوعد بحضور مجموعة من المسيحيين والمتصهينين الذين لا يعبرون عن رؤية الغالبية العظمى من النصارى إطلاقاً، ليزعموا في الاحتفالين، عبر الرقص والغناء، والأساطير التوراتية والروايات الدرامية، أن الله استخدم مسيحيين ويهوداً لتحقيق العودة النبوئية للشعب «المختار » من المنفى إلى «وطنه الإنجيلي القديم، إسرائيل»، رغم أنه وطن عربي إسلامي يشارك فيه الفلسطينيون المسيحيون.
ولا ننسى أن «ماي تيريزا» رئيسة الحكومة البريطانية التي أعلنت افتخارها بالاحتفال، هي واحدة من أولئك الذين صدقوا الأضاليل وآمنوا بأن قيام إسرائيل من عمل الله.
وقادت تلك اللهفة الكذابة، الصحفي «ستيورات ليتلوود» إلى التساؤل في «الهيرالدتربيون»: «من أي نوع من المسيحيين المشبوهين هم أولئك الذين تحدثوا بهذه العربدة في قاعة ألبرت، وكيف يمكن أن يكون وعد بلفور وإرثه المثير للغثيان من عمل الله، وكم من الرجال المحسوبين على العظماء كانوا من بين الجناة»؟
الكارثة جاءت من لندن، والندم ربما يأتي من هناك أيضاً على خلفية صحوات سياسية عديدة شهدتها الأوساط البريطانية المثقفة التي تأبى أن يظل اسم بلادهم معلقاً في ردهات التاريخ، باعتبارها الجهة المجرمة التي أطلقت العنان لاغتصاب فلسطين واستبدالها بفلسطين، والتسبب بمعاناة إنسانية يطول شرحها، وتداعيات كارثية تشمل الحروب المخيفة والإرهاب المتوحش الذي ابتلي به الشرق الأوسط منذ الإعلان عن ذلك الوعد الشرير.
ولعل ليتلوود كان على حق عندما قال إن «الملكة فكتوريا وقرينها المحبوب الأمير ألبرت اللذين شيدا القاعة التي تحمل اسم الأمير، يتقلبان الآن في قبريهما، بسبب السماح لعَلَم قوة عسكرية مارقة بأن يرفرف فوق هذا المبنى الرائع»؟!
(يتبع)

بقلم : مازن حماد
copy short url   نسخ
02/11/2017
2786