+ A
A -
منذ عام 1988 ونحن نسمع عن مخطط لبناء جسر عملاق يربط المملكة العربية السعودية بمصر، ومن خلالهما قارة آسيا بإفريقيا. غير ان الحديث عن هذا المخطط ما لبث أن توقف ولم يستأنف مرة أخرى إلا عام 2005، ثم راح يتواصل لمدة عامين أو ثلاثة قبل أن يقرر الرئيس مبارك رفضه لأسباب قيل وقتها أنها تتعلق بالتأثير السلبي المحتمل لهذا المشروع على السياحة في مدينة شرم الشيخ.
وهكذا بدت صفحة هذا المشروع وكأنها طويت إلى الأبد قبل أن يتبين لاحقا أن وراءه أصابع خفية تبدو مصممة على تحريكه وتوجيهه لخدمة أهداف بعينها.
ففي إبريل عام 2016 قام الملك سلمان بزيارة هامة للقاهرة، استمرت خمسة أيام وحظيت بصخب إعلامي ضخم، وشهدت التوقيع على مجموعة كبيرة من اتفاقيات التعاون، كان من أهمها «اتفاقية ترسيم الحدود البحرية» بين البلدين، ولوحظ حرص الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي عهد السعودية وقتها، على توقيع هذه الاتفاقية بالذات بنفسه، وانطلقت حملة دعائية هائلة حول المستقبل المشرق للعلاقات المصرية السعودية حظي في سياقها «مشروع الجسر العملاق» الذي تبلغ تكلفته أكثر من خمسة مليارات دولار بنصيب الأسد، ولم يدرك الرأي العام المصري إلا بعد انتهاء زيارة العاهل السعودي أنه سيتعين على مصر، فور تبادل أوراق التصديق على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية، أن تتخلى عن جزيرتي تيران وصنافير وأن تقبل بانتقال السيادة عليهما إلى المملكة السعودية؛ ولأن هذا التنازل كان أكبر مما يمكن أن تحتمله المشاعر الوطنية للشعب المصري، رغم ما يمر به من ضائقة اقتصادية، فقد ثارت ردود أفعال غاضبة وبتحركات قضائية أفضت إلى صدور حكم نهائي من المحكمة الإدارية العليا ببطلان توقيع مصر عليها، ثم تبين لاحقا أن فصول هذه القصة المثيرة لم تكتمل بعد وأن وراء الأكمة ما وراءها.
فمنذ أيام قليلة، وتحديدا في 20 أكتوبر من عام 2017، تولى الأمير محمد بن سلمان، بصفته وليا لعهد السعودية هذه المرة، الإعلان بنفسه عن إطلاق «مشروع نيوم» على مساحة تبلغ 26500 كيلومتر مربع، تشمل أراضي أردنية ومصرية تقع في المثلث الحدودي للدول الثلاث، وبتمويل سعودي لن يقل عن 500 مليار دولار!!. وهنا تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، والذي يربط بين «الجسر» و«الجزيرتين» و«مشروع نيوم» وتمسك إسرائيل وحدها بطرفه وتستطيع تحريكه وتوجيهه لتشكل منه إحدى الحلقات التي تمهد لإبرام «صفقة القرن» التي تستهدف تسوية القضية الفلسطينية أو بالأحرى تصفيتها.
لم يعد يخالجني أي شك الآن في أن السبب الرئيس لرفض مبارك مشروع الجسر يعود إلى إصرار السعودية على ربطه بسيادتها المنفردة على جزيرتي تيران وصنافير وإحساسه بأن إسرائيل ربما تكون القوة الخفية المحركة له؛ ولأن مبارك لا ينتمي لنمط القيادة المغامرة، فضلا عن كراهيته لإسرائيل التي خاض حرب أكتوبر في مواجهتها، كقائد لسلاح الطيران المصري، فقد آثر الإبقاء على حالة «السلام البارد» التي أتاحت له وضعا مريحا يتناسب تماما مع سمات شخصيته الحذرة.
اليوم يبدو الوضع مختلفا بشدة، فالسيسي هو أول شخصية عسكرية يتاح لها قيادة مصر دون أن يتمتع مسبقا بشرف خوض الحرب في مواجهة إسرائيل، أو حتى في مواجهة غيرها، وبالتالي يجيد لغة الصفقات التجارية أكثر من إجادته لميادين القتال، ومحمد بن سلمان شاب يتقدم بقفزات سريعة نحو قيادة المملكة العربية السعودية رافعا لواء التحديث تحت راية «مشروع 2030». وهذا وضع يغري إسرائيل بالعمل لتحقيق قفزة كبيرة إلى الأمام تقربها من الوصول إلى خط النهاية وتحقيق كامل الحلم الصهيوني بدولة تمتد من النيل إلى الفرات.
كنت وما زلت من أشد أنصار إقامة أقوى علاقات استراتيجية ممكنة بين مصر والسعودية، ولكن لانتشال العالم العربي من الهوة السحيقة التي وقع فيها، وليس لإنقاذ إسرائيل من مصيرها المحتوم، طال الزمن أم قصر.

بقلم:د. حسن نافعة
copy short url   نسخ
02/11/2017
2465