+ A
A -
-
إذا اتفقنا على أن الحرب على الإرهاب أصبحت هماً للجميع في المنطقة العربية يجرى التصدي لها على قدم وساق، فإن ذلك لا يجب أن يجعلنا نتغافل عن مخاطر جديدة تصل إلى حد الحروب هي في إطار التحضير، بما يزيد المشهد العربي بؤسا على ما فيه من ترد وهوان، خصوصا مع حالة الاستسلام لتغييب العمل العربي المشترك.
فما كادت الحرب على تنظيم «داعش» في العراق وسوريا تحرز تقدما ينبئ عن نهاية باتت وشيكة له، اندلعت أزمة بين إقليم كردستان العراق والحكومة المركزية في بغداد على خلفية الاستفتاء باستقلال الإقليم، ثم تزامن معها امتداد التوتر بين الجانبين إلى المناطق المتنازع عليها وأبرزها كركوك الغنية بالنفط. وفى ظل هذه المستجدات لم تعد الأزمة تتعلق بحقوق سياسية حول تقرير المصير بقدر ما تعكس خلافا حادا حول الاعتبارات الاقتصادية والأمنية سواء بالنسبة للإقليم أو للمركز من شأنه أن يتطور إلى حد المواجهات المسلحة أو بالأحرى اندلاع الحرب بين الطرفين، ويفتح بابا للصراع بين القوى الإقليمية والدولية مرشحا للتحول إلى حرب أوسع.
وبالنسبة لما ينتظر لبنان من تهديدات تصل إلى حد الحرب لوحظ أن إدارة الرئيس الأميركي ترامب وعلى غير عادة الرؤساء السابقين فتحت مجددا ملف مقتل قوات المارينز في بيروت عام 1983 وذلك بمناسبة مرور 34 عاما على وقوعها وربطته بتهديدات جديدة لحزب الله. وكان من المفترض ألا تقف هذه الإدارة عند هذه الذكرى، ولكنها وجدتها مناسبة للتأكيد على أن هناك تربصا بالحزب من الجانب الأميركي ينذر بأن ما تردد في الأوساط الإسرائيلية على مدى الأسابيع الماضية حول الاستعداد لخوض حرب جديدة ضد الحزب هو أمر جدي ويجب التعامل معه على أنه تهديد محتمل بحرب جديدة ليست على الحزب وحده وإنما على لبنان ككل.. وإذا أخذنا في الاعتبار المناورات العسكرية التي أجرتها إسرائيل منذ بضعة شهور قليلة كمحاكاة للتصدي لهجوم من قوات الحزب على شمال البلاد، فإن التحضير لحرب جديدة على الحزب تصبح له شواهده الدالة عليه.
المشهد في ليبيا يقدم صورة مغايرة لما هو ظاهر على السطح، فهناك ظهور جديد لتنظيم «داعش» في الأراضي الليبية. مثل هذا التطور يهدد بإفشال مهمة المبعوث الدولي لأنه سيوجه الاهتمام إلى كيفية مواجهة الانتشار الجديد للتنظيم في الأراضي الليبية. وبما أن حسم مسألة القيادة العسكرية للبلاد لم يتحقق بعد، فإن الصراع بين الميليشيات المسلحة على توجيه المسار السياسي للبلاد سيشتد وبالتالي ازدياد وتيرة تدهور الأوضاع الأمنية داخليا وإقليميا (الدول المحيطة)، كما تزداد مخاطر الهجرة غير الشرعية تجاه أوروبا. وليس مستبعدا في هذه الحالة أن يحدث تدخل عسكري دولي بما يزيد الأمور تعقيدا بالنظر إلى كراهية الليبيين لهذا التدخل.
ومع أن المشهد الفلسطيني شهد حراكا في اتجاه المصالحة بين فتح وحماس، إلا أن هناك عقبة قائمة لن تؤدي فقط إلى العودة للوراء مجددا، وإنما إلى تدخل الجانب الإسرائيلي في شكل عدوان جديد على غزة بدعوى ضرب القدرة المسلحة لحماس. والمعروف أن إسرائيل ترفض التفاوض مع أي سلطة فلسطينية تضم حماس، كما أنها تصر على أن تعترف الحركة بها قبل أي حديث عن التفاوض وهو بالطبع ما لا تقبله الحركة. وكرد فعل يعبر عن هذا الرفض تستطيع عناصر من حماس والجماعات الجهادية الأخرى القيام ببعض العمليات ضد إسرائيل لإثبات الوجود بما يعطي مبررا لها بإعادة شن العدوان على القطاع.
الغريب أن هذه المخاطر المحتملة التي تصل إلى حد الحروب لها شواهدها وباتت مرأى العين لكل من يرصد المستجدات، ولكن باتت مسؤولية التصدي لها من شأن أصحابها المباشرين لا من مسؤولية العمل الجماعي العربي أو المشترك، وهذا في حد ذاته عامل إضافي يؤكد أنها باتت حقيقية، وتغييب هذه المسؤولية يمنح قوة الدفع لهذه المخاطر.
د.عبد العاطي محمد
copy short url   نسخ
04/11/2017
2446