+ A
A -
يتميّز المنصف المرزوقي بشخصية سياسية عنيدة لا تقبل التراجع أو الخضوع للواقع وهو ميسم يطبع سلوكه السياسي سواء زمن الاستبداد أو مرحلة ما بعد الثورة. ويبدو أن الرئيس السابق في محاولته العودة بقوة إلى المشهد السياسي في أفق الانتخابات الرئاسية لسنة 2019 يريد استعادة ثنائية الصراع الحاد بين أنصار الثورة وأتباع الثورة المضادة حيث يقدم نفسه باعتباره النصير الأول للثورة والتحول الديمقراطي ولذا نجده يبالغ أحيانا في تصوير المخاطر المحدقة بالمسار الديمقراطي التونسي.
غير أن كثيرا من التطورات السياسية الجارية على الأرض تخالف توجهات المرزوقي أو على الأقل تقديره العام للوضع فالحلف القائم بين النهضة والنداء جعل كثير من المواقف والقضايا بل والخلافات السياسية تندرج ضمن المنطقة الرمادية اعني بعيدا عن الفصل الحاد بين جهتين متصارعتين. فحالة التوافق الحكومي بين الحزبين الحاكمين وصلت إلى درجة دعوة قيادة النهضة إلى دعم مرشح النداء في الانتخابات النيابية الجزئية للجالية التونسية بألمانيا.
وهو ما قد يكون مدخلا لتحالف استراتيجي بين الطرفين في الانتخابات المقبلة بما يعني فك الارتباط نهائيا بين النهضة وحليفها القديم المرزوقي وهو أمر يستشعره هذا الأخير بوضوح بل ولا يخفي تذمره من قيادة النهضة الحالية وهجومه عليها بشكل مباشر (كما ورد في شهادته على العصر على قناة الجزيرة).
ولهذا فإن المرزوقي إن أراد النجاح عليه أن يعيد ترميم حضوره السياسي على جبهات ثلاث أولها تنظيم كيانه السياسي (حزب حراك تونس الإرادة) الذي فقد الكثير من فاعليته وانتشاره وعانى من صراعات داخلية حادة وانشقاقات متتالية الأمر الذي يستلزم جهدا تنظيميا كبيرا من اجل وضعه على الطريق السليم مرة أخرى والجبهة الثانية هي محاولة استعادة حلفائه السابقين وهو في هذه الحالة لا يتوفر على خيارات كثيرة فقيادة النهضة تبدو قد حسمت أمرها ووضعت بيضها كله في سلة حزب النداء والرئيس الباجي قائد السبسي وربما كان رهان المرزوقي هو على جمهور النهضة وقاعدتها العريضة التي لا يخفي قطاع واسع منها توجسه من حزب النداء وعدم ارتياحه لبعض المواقف المتناثرة هنا وهناك لسياسيين قريبين من هذا الحزب ممن لازالوا في مربع العداء للنهضة وجمهورها.
أما الجبهة الثالثة فهي مشكلة الإعلام والتواصل فمن المعروف إن الإعلام المحلي في تونس بجناحيه العمومي والخاص يتخذ موقفا عدائيا من المرزوقي وقد كشفت إحصائيات الهيئة المستقلة للإعلام والاتصال الصادرة أخيرا أن حجم حضور المرزوقي وحزبه في الوسط الإعلامي تقارب الصفر وهو ما يبدو أمرا متعمدا وقد فسر المرزوقي هذا السلوك بقوله «ليس لي مشكل مع الإعلام بل مع الإعلام الفاسد، أنا مشكلتي ليست مع الإعلام كقطاع بل مع بعض الإعلاميين بصفته إعلاما للتضليل والذين استهدفوني عبر نشر الأكاذيب والإشاعات».
ولا يبدو أن مشكلة الحضور الإعلامي في سبيلها للحل على المستوى المنظور على الأقل، وربما يسعى المرزوقي من خلال سياسة الاتصال المباشر بالناس إلى مجاوزة التعتيم الإعلامي المفروض عليه وهو أمر حقق له نجاحا لا بأس به. وتظل المشكلة الأخيرة في خطاب المرزوقي والتي يعتبرها جزء من الشارع التونسي ميزة هي صراحته المفرطة في توصيفه لخصومه فقد كان السياسي الوحيد الذي أشار بوضوح إلى الدور التخريبي الذي تلعبه الإمارات ضد الثورة التونسية وكان من الذين أدانوا صراحة الانقلاب المصري وساندوا المطالب الديمقراطية للثورة السورية.
وهذا ما يجعله تحت الاستهداف المباشر لبعض القوى التونسية التي لا تخفي تبعيتها للأنظمة المذكورة آنفا. ومع هذا يدرك الجميع بما فيهم خصوم المرزوقي أن الرجل حقوقي من الطراز الأول وداعم للتحول الديمقراطي دون تردد. غير أن هذا كله قد لا يكفي من اجل الفوز في استحقاق انتخابي تتداخل فيه عوامل كثيرة من تحالفات سياسية وحسابات شخصية ولوبيات وقوى مالية وتدخلات لقوى إقليمية ودولية. ويبقى الرهان على تعبئة الجمهور الشعبي العازف عن العمل الحزبي هو السبيل الوحيد لتحقيق الانتصار وقلب المشهد السياسي من جديد وهذا ليس بالأمر المستبعد ولا المستحيل.

بقلم : سمير حمدي
copy short url   نسخ
07/11/2017
2642