+ A
A -
في الحادي عشر من سبتمبر، لم يسقط برجا مركز التجارة العالمي فقط. بل سقطت معهما قيم ومبادئ ومعاني الحلم الأميركي، وسقطت بهذا السقوط كل العبارات البراقة حول القبول غير المشروط للآخر و«تابو» العنصرية وتساوي الفرص في أرض الأحلام أميركا.
كان الحلم الأميركي واقعاً وكانت أميركا أرض الفرص وتحقيق الأحلام، كان الجميع مقبولين ومتساوين بالحظوط وبالمواطنة ويمارسون معتقداتهم بحريّة منقطعة النظير، إلاّ أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر كانت فاصلة بين جملتين، وأزعم أن أميركا استيقظت من «حلمها الأميركي» في ذلك اليوم، فأقرت قانون مكافحة الإرهاب سيئ الذكر والذي يسمح للأجهزة الأمنية بالاشتباه بأي شخص بدون أي دليل وبالتجسس عليه! منتهكاً مدنية أميركا وضارباً حرية الفرد المقدسة فيها بعرض حائط الاستهتار، كل هذا تحت عنوان «حماية الأمن القومي الأميركي» وكأننا نتحدث عن دولة من العالم الثالث يحكمها جنرالات انقلاب عسكري! وبدأ المسلمون يشعرون بالغربة- لأول مرة- في الولايات المتحدة، وبدأ الطلبة العرب يهربون من جامعاتهم الأميركية مرغمين وهاربين من حدة الرفض الشعبي والرسمي لهم. من غير أن ننسى الحماقات الأخرى والتي جاءت رداً على حماقة الهجوم الإرهابي، فغزو أفغانستان وما كان فيه من مجازر مثل «مجزرة قلعة جانجي» واحتلال العراق وما جاء فيه من جرائم وفضائح مثل «فضيحة سجن أبو غريب»، كلها كانت ممارسات تصرخ بأن الحلم الأميركي انتقل إلى رحمة الله. بالطبع، وبالمنطق، لا ألوم أميركا عندما تفزع من الإرهاب وتقوم بكل إجراء احترازي ضده وتعمل بأقصى جهدها لمكافحة هذا الداء العضال الذي ينخر في جسد الإنسانية، ولكنني ألومها عندما تتخذ من دماء أبنائها المغدورين وسيلة للابتزاز، أو شعاراً للمظلومية! وتأمل في قضية التشريع الذي وافق عليه الكونغرس- بدعم من جماعات ضغط مشبوهة- والذي يقضي بالسماح لعائلات ضحايا 11 سبتمبر بمقاضاة السعودية، هكذا! فما هذا التشريع إلا تعبير واضح عن اتخاذ الأميركان الأحياء لدماء الأميركان القتلى شعاراً للمظلومية أو وسيلة للابتزاز. لا أقول إن صيغة القانون مريبة فقط، بل كل شيء فيه مريب، شكلاً ومضموناً وزماناً ومكاناً.
ما الذي تريده الولايات المتحدة؟ أنا لا أعلم ما الذي تريده ولكنني أعلم أمرا واحدا فقط، وهو أنها بهذه الممارسات- بقصد أو بدون قصد- تضع كل المسلمين في خانة الإرهاب، بينما تضع حلفاءها المعتدلين في خانة رعاة الإرهاب، وهذا الأمر سوف يضع العالم كلّه في خانة شريعة الغاب، بحسب وصف وزير الخارجية السعودي عادل الجبير.
والله من وراء القصد

بقلم : صلاح العرجاني
copy short url   نسخ
20/05/2016
2148