+ A
A -
تنظم مكتبة الكونغرس الأميركية كل عام مسابقة فريدة من نوعها للشباب من الجنسين الذين تتراوح أعمارهم بين التاسعة والثامنة عشرة حيث يقوم كل من يشترك فيها بكتابة رسائل موجهة إلى كبار الأدباء والروائيين، موتى كانوا أم احياء، وقد حظيت رسالة كتبتها شابة تدعى «ديفي أشتاريا» باعجاب المنظمين والمشرفين على هذه المسابقة، وبالتالي حصلت على الجائزة الاولى، وكانت رسالتها التي تدل على وعي كبير نادرا ما تراه في الجيل الجديد المشغول بأحدث انواع السيارات والاجهزة الإلكترونية وغيرها، جيل يعرف اسماء كل المطاعم الموجودة في كل شارع والمطاعم التي ستُفتح عما قريب، ولا يعرف موقع مكتبة واحدة، ويحفظ اسماء الممثلين والممثلات ولا يحفظ اسما واحدا لكاتب أو شاعر أو فيسلوف، فما بالك بقراءة كتاب واحد لهؤلاء، ونعود لرسالة «ديفي» التي وجهتها إلى الكاتب الإنجليزي جورج اوريل الراحل تقول فيها:-«كنت على حق، كنت على حق، كنت على حق، أنا آسفة لأنني لم اتوصل لهذا الفهم من قبل، أشعر بأنني حمقاء وأنا أكتب اليك، لماذا قمت بتصنيف كتبك تحت تصنيف كتب الخيال؟ كيف للخيال الذي تتحدث عنه أن يكون الواقع الذي يحدث أمام منزلي كل يوم؟ يجنح الناس دائما للحديث بغضب عن طغاة وهميين، والحقيقة أن الواقع المرير الذي نخافه ونشمئز منه يلتف حولنا دون أن نشعر، وقريبا لن تتبقى سوى قلعة واحدة، سوى معقل أخير يحطم كل أمل للحب أو العاطفة الانسانية، ويسجن داخله كل مواطن بشري بسلاسل القانون دون مبالاة، قرأت روايتك «مزرعة الحيوانات» عندما كنت صغيرة، لم أفهمها حينها، كنت أظنها مجرد حكاية مسلية، في كل يوم أرى فيه القمع على شاشات الاخبار، في الشوارع، وفي منزلي، في كل يوم أرى فيه المستضعفين وهم يحاولون إسقاط حكامهم، لقد كنت أشبه بالعمياء في السابق، ولكنني تداركت ما فاتني وعدت للتأمل، عدت لتأمل الناس والأمكنة، لتأمل الدوافع وردود الافعال، حاولت أن اجمع ما استطعت من قطع عالمي المتناثرة باتباع الخريطة التي ابتدعتها أنت! ثم ظهرت روايتك«1984» وكانت المفتاح الذي ادار القفل في عقلي وسمح لي باكتشاف الحقيقة بالعثور على الحذر الذي كنت بحاجة إليه، رأيت أوجه القساوسة في أحقر البشر، رأيت النفاق، رأيت خطط التخويف، شركات الدعاية الكبرى، ورأيت الجنون، رأيت الألم، رأيت الإرهاب الحقيقي كما هو، ورأيت الأكثر هولاً منه، والأكثر إماتة ورعبا، والآن ماذا سأجد عندما أغامر وأخرج من جنتي الصغيرة؟ طائرات دون طيارين تحوم حول المنطقة، هواتف ترصد كل حركة، محادثات مسجلة للبحث عن أدنى شبهة، ورغم كل هذا يبدو ان الجميع يشعر بالرضا! الفضائح تنتشر فجأة، اصبحنا نحلم بالعيش في عصر يسيطر عليه الابطال الخارقون والرجال أصحاب المسدسات والأسلحة، ليوقفوا هذا الدمار في لمح البصر، أنا ياسيدي، لا أومن بفساد كل عناصر المجتمع، ولا أعتقد ان علينا محوها وتحطميها، أنا أُحُب هذا العالم، وأريد حمايته، وانما اقول كما أقول دائما على البشر أن يحذروا ويراقبوا عالمهم بدلا من الانشغال في اداء واجباتهم وافراغ متعهم فقط، وهذا ما دفعني لكتابة رسالة إليك، لأقول لك للمرة الاخيرة إنك كنت على حق، كنت على حق عندما كتبت مؤلفاتك، على حق عندما فعلت كل ما فعلت لجعل العالم مكانا أفضل.

بقلم : وداد الكواري
copy short url   نسخ
13/11/2017
3120