+ A
A -
يحكى في إحدى الاساطير القديمة ان فتاة يتيمة لم تكن لها عائلة ولم يكن لديها من يهتم بها أو يحبها، وذات يوم، وبينما كانت تتمشى في الغابة وهي تشعر بالوحدة والحزن، رأت فراشة صغيرة عالقة في قلب شجرة شوك، وكلما حاولت الفراشة الخروج من هذا الشرك.. كانت الاشواك تخز جسدها الرقيق وتدميه، لم تكمل الفتاة سيرها بلا مبالاة قائلة في نفسها «إنها مجرد فراشة» بل توقفت أمام الشجرة، واخذت تحاول برفق تحرير الفراشة غير عابئة بالاشواك التي آلمتها واسالت الدم من اصابعها، وبعد جهد تحررت الفراشة من الأسر، وبدلا من ان تطير بعيدا، تحولت إلى جنية جميلة، ووقفت أمام الفتاة التي لم تصدق عينيها وقالت لها: «جزاء لطيبتك الرائعة، سوف امنحك ما تتمنين.. اطلبي ما شئت»! لم تحتج الفتاة لوقت لتفكر بل قالت دون تردد «أتمنى أن اكون سعيدة» قالت الجنية: «حسنا» ومالت نحوها وهمست في اذنها بكلمات قبل أن تختفي، ومنذ تلك اللحظة تغيرت حياة الفتاة اليتيمة، كانت تنمو وتكبر ولم يكن هناك من هو أسعد منها على وجه الأرض، وكان الجميع يسألونها عن سر سعادتها، فكانت تكتفي بالابتسامة والرد بجملة لا تتغير: «سر سعادتي هو أنني استمعت إلى الجنية الطيبة حينما كنت طفلة» ولم تكن هذه الكلمات تقنع الفضوليين، وظنوا انها تتهرب من الاجابة أو تخدعهم، ومرت سنوات وسنوات وادركت الشيخوخة الفتاة السعيدة، ورقدت على فراش الموت، والتف حولها الجيران والاصدقاء وكلهم خشية ان تموت قبل ان تفصح عن سر السعادة الاسطوري، واخذوا يتوسلون اليها قائلين: «أخبرينا أرجوك، أخبرينا عما قالته لك تلك الجنية التي تتحدثين عنها دائما..اخبرينا...أخبرينا»، ابتسمت العجوز الحنون وقالت لهم: «أخبرتني بأن كل إنسان مهما بدا عليه الاطمئنان، عجوزا كان أو شابا، غنيا أو فقيرا، يحتاج إلي» وفي رواية «الخيميائي» التي صنعت شهرة الكاتب البرازيلي باولو كوليهو، يرسل أحد الآباء ابنه إلى حكيم معروف ليتعلم سر السعادة، وبعد سير طويل ومتعب يصل الشاب إلى قصر الحكيم، وينتظر ساعات حتى ينفض الجميع من حوله، وحين يأتي دوره ويطرح السؤال الذي يُشغل بال البشر جميعا، يقول له الحكيم: «ليس هناك وقت لشرح سر السعادة، فلم لا تقوم بجولة داخل المكان وتعود لي بعد ساعتين، ولكن قبل ان تفعل ذلك، خذ هذه الملعقة التي تحتوي على نقطتي زيت، واحرص أثناء تجوالك على أن لا تنسكب نقطة واحدة منه» ينفذ الفتى الامر ويبدأ في التجوال، هبط سلالم وصعد سلالم، ودخل اروقة وغرفا لا حصر لها قبل أن يعود وعلامات الفخر على وجهه، لكن الحكيم يحرجه بأسئلة غريبة لا يفهم المغزى منها: هل رأيت السجاد الفارسي الذي يوجد في غرفة الطعام؟ هل شاهدت الحديقة التي أنفق البستاني عشر سنوات من عمره ليحولها إلى جنة؟ هل أستوقفتك المجلدات القيمة في مكتبتي؟ هل وهل وهل؟ ارتبك الشاب، وكان عليه أن يعترف بأنه لم ير شيئا من هذا كله! فقد كان همه الأول ألا يسكب نقطتي الزيت اللتين عُهد بهما إليه، عندها قال له الحكيم «إذن ارجع وتعرف على روائع عالمي الصغير، لا يمكنك أن تعتمد على شخص لا تعرف البيت الذي يسكنه» وعمل الشاب بالنصيحة وأخذ يطوف في ارجاء القصر الفسيح، وهو منبهر ومذهول من جمال كل ما يراه، وحين عاد بعد ساعات، طفق يحكي عما رآه بالتفصيل الممل، وعندما توقف عن الكلام، سأله الحكيم: «ولكن أين قطرتا الزيت اللتان عهدت بهما إليك» وعندما نظر الفتى إلى الملعقة وجدها فارغة.. إذن قال الحكيم: «هذا هو سر السعادة، أن ترى روائع الدنيا ولكن دون ان تفقد روحك» ان ترى الجمال في كل ما يحيط بك، ان تستمد سعادتك من إسعاد الآخرين...هذه هو السر بكل بساطة.

بقلم : وداد الكواري
copy short url   نسخ
14/11/2017
3182