+ A
A -
تحتفل إسرائيل بعد أيام قليلة، وتحديدا يوم الأحد المقبل، بذكرى مرور 40 عاما على زيارة السادات للقدس. وفي إطار الاستعدادات للاحتفال بهذه المناسبة، وجهت الحكومة الإسرائيلية دعوة لشخصيات مصرية، على رأسها السيدة جيهان السادات، للمشاركة في فعالياتها، غير أنها جميعا رفضت تلبيتها. وإذا كان حماس إسرائيل للاحتفال بذكرى الزيارة يعد في حد ذاته دليلا قاطعا على أنها كانت الرابح الرئيسي من ورائها.
فإن إجماع الشخصيات المصرية على رفض تلبية الدعوة الإسرائيلية يعد في حد ذاته دليلا قاطعا على حجم واستمرار الرفض المصري لإسرائيل التي ينظر إليها باعتبارها العقبة الرئيسية في طريق السلام.
لإنعاش ذاكرة الأجيال الشابة في مصر والعالم العربي وحثها على فهم طريقة صنع أخطر القرارات المؤثرة على حاضرهم ومستقبلهم، وفي مقدمتها قرار الرئيس السادات زيارة القدس في 19 نوفمبر 1977، أود تذكيرهم بالحقائق التالية:
1 - لم يتشاور الرئيس السادات حول قراره زيارة القدس مع أي من المسؤولين المصريين أو العرب، ولم يخضع هذا القرار لدراسة مسبقة حول فرص واحتمالات نجاحه ولم يعرضه على أي من مؤسسات صنع القرار أو مراكز الأبحاث، وبالتالي يعد قرارا فرديا بحتا يتحمل بنفسه كامل المسؤولية عنه.
2 - قبل الزيارة، جرت محادثات سرية في المغرب بين حسن التهامي، موفدا عن الرئيس السادات، وموشيه ديان، موفدا عن الحكومة الإسرائيلية اتضح من خلالها أن اقصى ما يمكن لمصر أن تحصل عليه من إسرائيل هو عودة سيناء، بشروط، وأن إسرائيل ليست مستعدة للانسحاب من كل الأراضي العربية المحتلة أو إقامة دولة فلسطينية مستقلة، أيا كان الثمن، وبالتالي كان السادات يدرك تمام الإدراك قبل زيارته لإسرائيل أن الطريق الوحيد المفتوح أمامه هو معاهدة سلام مصرية إسرائيلية منفردة. تجدر الإشارة هنا إلى أن كمال حسن علي، وكان وقتها رئيسا للمخابرات الحربية، كلف من قبل الرئيس السادات بالتوجه مع حسن التهامي إلى المغرب، دون أن يعرف مسبقا الهدف من الزيارة بل ولم يتعرف على ديان اثناء اللقاء لأنه كان يضع نظارة سوداء على عينيه!! (راجع مذكرات نبيل العربي ص 94).
3 - استقال اسماعيل فهمي، وزير خارجية مصر وقتها، فور علمه اعتزام السادات زيارة القدس من وسائل الإعلام، أما محمد رياض، وزير الدولة المصري للشؤون الخارجية وقتها، فقد اعتبر مستقيلا وسمع خبر تقديم استقالته من الإذاعة لمجرد رفضه إعداد برنامج زيارة اعتبرها «غير بروتوكولية» ومن ثم لا تدخل في دائرة اختصاصه، من منطلق أنها زيارة «غير تقليدية» تتطلب ترتيبات وإجراءات لا يستطيع ان يقررها من تلقاء نفسه!
4 - رفض الفريق الجمسي، وزير الدفاع المصري، رفضا قاطعا الذهاب إلى القدس لرئاسة «اللجنة العسكرية» التي قرر السادات في مفاوضاته مع بيجين في مدينة الاسماعيلية تشكيلها. وحين علم الجمسي بأمر هذه اللجنة قال لوزير الدولة للشؤون الخارجية، وبوضوح تام أنه «كجندي مصري يحترم البذلة العسكرية التي يرتديها لا يمكن أن تطأ قدماه أرض إسرائيل قبل أن يتم انسحاب آخر جندي إسرائيلي من آخر شبر من الأراضي المصرية المحتلة».
5 - دعا الرئيس الأميركي كارتر، وبعد مماطلات إسرائيلية دامت تسعة أشهر، لعقد مؤتمر في كامب ديفيد، وهناك تصرف الرئيس السادات منفردا، ووافق على أمور رفضها كل أعضاء الوفد المصري الذين رفضوا حضور حفل التوقيع على اتفاقيتي كامب ديفيد في البيت الأبيض، وقبل ان ينفض مؤتمر كامب ديفيد قدم محمد إبراهيم كامل، وزير الخارجية المصري، استقالته التي لم يعلنها إلا بعد عودته إلى مصر.
بعد أربعين سنة من زيارة القدس، لم تحصل مصر لا على الاستقرار ولا على الازدهار، وتحولت سيناء المنزوعة السلاح إلى مرتع للإرهابيين، واليوم يريد بعض العرب أن يتحالفوا مع إسرائيل ضد إيران التي تصور الآن على أنها «العدو».
بقلم: د. حسن نافعة
copy short url   نسخ
16/11/2017
2725