+ A
A -
يتقلب »ليفي إشكول« في قبره ويعض عظام اصابعه، وكذلك »زلمان آران« وزير التعليم في اول حكومة شكلها العدو في فلسطين، لكن رقبة الزرافة التي حذر منها اشكول ما زالت طريحة الارض. اما قبلة الموت التي اشار اليها آران، فما زالت شفاهها متلاصقة بانتظار الزفرة الاخيرة.
المعلومات التي يُفرَج عنها بعد ان تظل اسيرة الادراج سبعة عقود، تصرخ احتفالا بالخروج من الصفحات السوداء التي كتبت عليها، كما ان السر مثلما يقال، لا يدوم حتى لو طمره المتآمرون بالطين ألف سنة.
قال إشكول لاعضاء حكومته - والكلام نقلته صحيفة »هآرتس« ما يلي: »لنفرغ غزة اولا، ولنقلل عدد السكان في الجليل ونشجع هجرة الفلسطينيين من الضفة الغربية«. لكن هذه الاقتراحات وغيرها من الجدل والنقاش الذي سجل في الوثائق عقب حرب يونيو 1967، جعل الوزراء يقفون حائرين امام التحديات، فقواتهم المعتدية احتلت القطاع والضفة الغربية وشرق القدس وهضبة الجولان وشبه جزيرة سيناء.
ولأن اسرائيل لم تعد اسرائيل ذاتها: صبيحة اليوم التالي، اضطرت للارتجال. والارتجال يعني التهور. وبعد ان قرر رئيس الحكومة الاسرائيلية تسريع الامور، عاد واعترف بأن السيطرة على مئات الآلاف من الفلسطينيين أمر صعب للغاية.
وفي إحدى الجلسات شبه إشكول دولة اسرائيل برقبة الزرافة لكونها ضيقة (جغرافياً) ويصعب الدفاع عنها، واصفاً إياها بالبائسة والتي ستبقى ممددة هكذا الى حين يأتي موعد ذبحها. واصطدمت كلمات إشكول بكيفية التعامل مع مليون فلسطيني متسائلا: كيف سننظم حياة 1.4 مليون عربي في دولتنا في حين ان عدونا 2.4 مليون، كما ان هناك 400 ألف فلسطيني في الأراضي المسيطر عليها منذ عام 1948.
هذه الأعداد تضاعفت مرات منذ ذلك الحين، لكن الرقبة الضيقة ما زالت ضيقة، وقبلة الموت لم تُطْبق شفاهها بعد. لكن إشكول اهتدى الى الحل: »لماذا لا نشجع العرب على الهجرة من هنا بهدوء وسرية الى شرق الاردن وغيره. لا تعطوهم الماء، فليعيشوا ويجوعوا ويرحلوا«.
موشيه ديان أيد ذلك وطرح مقترحات تبقي 100 ألف فلسطيني في غزة ليسهل التعامل عسكريا معهم. ولكن كم مليونا في غزة اليوم، وكم مليونا في الضفة الغربية، وكم مليونا في المخيمات، وفي الشتات غير العربي؟
تحدثوا كثيرا وقتها وتجادلوا طويلا، ونشبت حروب وحدثت متاعب وملاحقات وتطورات اقليمية ودولية وصار عدد الفلسطينيين سبعة ملايين ومثلهم من اليهود بين النهر والبحر. اما رقبة الزرافة فما زالت ممددة على الارض بانتظار ذابحها، فيما ملمترات قليلة ما زالت تفصل الشفتين عن الشفتين.
ما قاله إشكول بالأمس لن تستره غبائر الحروب والمذابح، ومصير أفعاله الفضيحة والخذلان والفشل، وسقوط أفكاره، عملا وقولا، من شدة الرعب والوهم والغدر، وكلها تؤدي الى التفتت والاندثار.

بقلم : مازن حماد
copy short url   نسخ
18/11/2017
3381