+ A
A -
فلنتأمل ونتدبر جيدا هذه العبارة «بين التعايش والإبداع: نتعلم كيف نحيا ونعمل معا» عبارة نسجت من كلمات قليلة لكنها تحمل في طياتها معاني جليلة، اعتمدت كشعار هذا العام للنسخة الثامنة من مؤتمر القمة العالمي للابتكار في التعليم «وايز 2017»، الذي شهدته وشرفته صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر رئيس مجلس إدارة مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع، التي طالما ألهمتنا حب الحياة والإحساس بقيمتها، وبذل الجهود والشعور بأهميتها، وذلك في إطار العمل الجماعي وبروح الفريق، وأعطت للتعليم قدره الذي يستحقه في منطقة اشتُهِرت سمعتها بوضع التعليم في ذيل أولويتها.
هذه هي قطر دولة حيوية لا تعرف الجمود، ولا تعترف بالقيود، وليس لطموحاتها سقف أو حدود، وشعارها في سبيل تحقيق أهدافها العزيمة والصمود، ومن هنا كانت كل فعالياتها نوعية، وعلى أعلى درجة من الأهمية، ونحن بصدد الحديث عن النسخة الثامنة من قمة الابتكار، لابد أن نشيد أيضا ببصمات سعادة الشيخة هند بنت حمد آل ثاني نائبة رئيس مجلس الإدارة والرئيسة التنفيذية لمؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع، هذه الشخصية النشطة الدؤوبة التي ميزت فعاليات المؤسسة بالنوعية.
إذا كانت هذه القمة اتخذت من الابتكار اسما لها، فلنا أن نستبشر خيرا بمستقبل زاهر، وبأن قطر على موعد قريب لتكون في مصاف الدول التي بلغت شأنا عظيما في دنيا الابتكارات والاختراعات، ومما لفت نظري وأنا أطالع أخبار نسخة هذا العام أمران يجب ألا يمرا علينا مرور الكرام، الأول مشاركة ما يزيد على ألفي شخصية من أكثر من 100 دولة من السياسيين والأكاديميين وواضعي السياسات ورجال وسيدات الأعمال والطلاب، في مقدمتهم سعادة السيدة أمينة أردوغان حرم فخامة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والثاني قيمة جائزة وايز 2017، إنها 500 ألف دولار تفضلت صاحبة السمو الشيخة موزا بتسليمها للفائز هذا العام وهو السيد باتريك أيوا من غانا لجهوده الكبيرة في مجال التعليم داخل بلاده، فيا لها من جائزة تشجع على نشر التعليم والابتكار والاختراع.
كلمة صاحبة السمو الشيخة موزا أمام القمة أحدثت صدى عاليا على مستوى العالم، وركزت وسائل إعلامية ومنصات الكترونية كثيرة على عبارة سموها التي أشارت فيها إلى حصار قطر منذ الخامس من يونيو الماضي، وقول سموها: «في وقت أراده البعض أن يكون صعبا علينا وما كانت صعوبته إلا عليهم.. وقد أرادوا أن نَتغير ونُغير نهجـنا وما تغيرنا وما غيرنا» في إشارة إلى أن قطر بلد الثبات على المبدأ، والثقة في النفس، والنهج السياسي السليم، وأن الاتهامات والافتراءات لا تنال من عزيمتها أو ثقتها، مهما طغت دول الحصار وبغت، ومهما تكبرت أو تجبرت.
هذه العبارة تشكل رسالة قوية، واضحة وجلية، موجهة إلى دول الحصار، عليهم أن يفهموها ويحللوها جيدا، بل إن عدد الدول التي شاركت في القمة والذي بلغ المائة يشكل رسالة أخرى تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن كل دولة من دول الحصار ما حاصرت إلا نفسها، وما جمدت إلا عقلها، ولا قيدت إلا فكرها.
أطلقت صاحبة السمو أيضا العديد من الرسائل التحذيرية التي تعتبر بحق وسائل إنذار مبكر حيث قالت: «ثمة إجماع فكري في العالم، أنتم جزء منه، على أن التعليم هو خزانة الحلول، وجل ما أخشاه أن تكون هذه الخزانة قد أُفلست وأن رأسمال الحلول لم يعد قادرا على مواجهة التحديات الكونية إذا لم نسارع إلى معالجة الخلل «، فعلى الحكومات خاصة في منطقتنا العربية أن تأخذ هذا الإنذار على محمل الجد، فالتعليم هو الملاذ الآمن الذي ترجع إليه البشرية عندما تكون مؤمنة بوجود مشكلات مزمنة، وذلك بحثا عن حلول فاعلة، فإذا ما كان - أي التعليم - يعاني من خلل ما سوف تتجذر المشكلات وتتكبد الإنسانية خسائر على مستويات عديدة يصعب تعويضها».
سلسلة أخرى من التحذيرات أطلقتها صاحبة السمو، على الحكومات أن تبحث فيها، لتكتشف الداء مبكرا في مراحله الأولى فيسهل علاجه، فمما حذرت منه، ما نتج عن ثورة الانترنت من خلق عالم افتراضي يتعامل مع الواقع بعلاقة انتقائية تديم افتراضيته وتعرِض فكرة الحقيقة للمساءلة، وفي بعض وسائل الإعلام يجري تسويق الكثير من الأوهام المنمطة في هيئة قصص واقعية أو صور شبيهة بالحقيقة وليست الحقيقة، مما أدى إلى الإطاحة بمعاييرِ الخطاب الإعلامي الذي له ضوابطه الأخلاقية وقيمه الإنسانية، أما ثالثة الأثافي فهي ما تزدحم به وسائل التواصل الاجتماعي من نشاطات منظمة لترويج دعايات وإشاعات وأكاذيب يراد منها لفت انتباه الناس عن معاينة الواقع.
ولن أكون متجاوزة للحقيقة إذا قلت إن هذه العلل التي حذرت منها سموها قد أصابت الخطاب الإعلامي والسياسي في دول الحصار خلال الأزمة الخليجية، بفضل الله نجت وسلمت منه دولتنا الحبيبة، بسبب متانة منظومة الأخلاق لدينا، وتوجيهات قيادتنا الحكيمة بعدم المساس بالرموز الخليجية مهما تمادت دول الحصار فيما درجت عليه من انتهاك للقيم والإطاحة بالأخلاق منذ بدء الأزمة.
لا يمكن لي أن أختم دون الإشارة إلى ما أكدته صاحبة السمو الشيخة موزا من خطأ ارتكبه العرب عندما تحولوا من صانعي حضارة ومنتجين للعلم والفلسفة والفكرِ قبل أكثرِ من ألف عام إلى مستهلكين لما ينتجه الآخرون، وقد تخلّينا كعرب عن دورنا في الإبداع الإنساني بشكل مؤثر وتخلفنا عن الإسهام في الحداثة واكتفينا بمحاولات تحديث لا تصنع مستقبلاً.
هذه حقيقة لا ينكرها منصف ومشكلة وجبت معالجتها، وأول خطوة سليمة على طريق معالجة مشكلة ما هو الاعتراف بالمشكلة، فنحن بإذن الله وضعنا أقدامنا على طريق الحل والله الموفق.

بقلم : آمنة العبيدلي
copy short url   نسخ
19/11/2017
2830