+ A
A -
يخضع التعبير في الفن إلى عدة عناصر رمزية تطرح أسلوبه وتميزه ليقترن بالفكرة ويخضع لانفعالاتها الوجدانية ويتمازج معها ليعبر عن ذاته وهويته وبيئته، فتلك العلامات مميزة في المنجز الفني الذي يكون بمثابة لغة تعبّر عن منفّذها وعن أرضه.
لذلك كلما تحدثنا عن منجز فني لمبدع ما نعرف من قراءة رمزياته وعلاماته الفكرية والبصرية الأرض والهوية التي يعبّر من خلالها عن ذاته، وبالتالي نتجاوز الفهم المباشر الذي يعني المكان فقط، لأنه حوّل تلك العلامة أي الأرض إلى رمز تعبيري يحيل على الكيان والانسان والوجود والهوية والتراث والبيئة والفعل اليومي والذاتي والتفاعل الجماعي والتعايش والوطن ككل ثابت.
فالأرض هي انعكاس هوية الانسان التي تتجلى في الفنون المكتوبة الأدب الرواية والشعر والفنون البصرية التصويرية والفوتوغرافية.
فكثيرا ما تشدنا كتابات أدبية لأنها نبعت من الأرض التي يعبر عنها صاحبها وأعمال تشكيلية تعود بنا إلى ذاكرة المكان والتراث الذي يعلن عن الهوية عن الفخر والاعتزاز بقيمها، وتكثيف طرحها لا يعني أن نفصل الانسان عن ذاتيته بل نسمو به وفق تنوعه الاجتماعي لخلق خصوصيته، فالفرد صورة للأرض ومنفذ للتعبير العالمي عنها مثل ما نقرأ في شعر غارسيا لوركا وبابلو نيرودا ومحمود درويش وفي لوحات بابلو بيكاسو وإسماعيل شموط، فالأرض تعني قيمة الإنسانية والمحبة التي تنبث لتنشأ فكرة الهوية والاعتزاز والوطنية.
والتعبير عن الأرض والهوية من خلال الفن هو الرقي الذي يقترن برمزيات أخرى تتفرع حسب المضمون والمحتوى والطبيعة والعادات والتقاليد والتراث لأنها تتشكل في الصور الإبداعية الفنية الجمالية وتندمج مع المقصد لتحاكي الخيال والواقع، النفسية والعاطفة والتعايش داخل مجتمع معتز بذاته ومتماسك ولا يمكنه الانفصال عنها في الواقع اليومي والذاكرة لأنها تعبر عنه مهما تفاعل مع الحداثة وانفتح على الآخر.
فالفنان والأرض تفاعلات ذاكرة وخيال حالم وواقع ينفلت نحو الفكرة بكل التنوع الذي ينعكس علامات رمزية ودلالات تعبيرية داخل اللوحة والألوان والخطوط والأشكال، كل ذلك يعني الهوية لأن الهوية هي محاكاة ذاتية لكل ترسبات الذاكرة فالأرض مهما كانت تبقى علامة مميزة لكل عمل وهو ما نلاحظه مثلا في التجارب التشكيلية الخليجية الغارقة في بيئتها والمتميزة بطابعها الذي يعكس الأرض والعادات والتراث والهوية، وحتى لو انحسرت صور الأرض في واقعها تبقى أيضا ميزة كما في التجارب التشكيلية الفلسطينية اللبنانية والعراقية التي انطلقت من صورة الأرض بكل وقائعها فمن العمار إلى الخراب انطلقت بكل تدفقات الفكرة العاطفية ومهما اختلفت طرق التعبير واقعيا تعبيريا انطباعيا تجريديا تكعيبيا سورياليا فوتوغرافيا وفيديو تبقى الأرض خصوصية تميز الفنان تعبّر عنه في كل مكان يعرض فيه ذاته على اختلاف مستوى المتلقي وتنوعه الثقافي.
ولعل تمسّك الفنان بأرضه وتنوعه وهويته يخدم مسارات تعبيره الذاتية أولا والفكرة المرجوة التي تعني أن الحداثة لا تلغي الانتماء.
بقلم:ريم العبيدلي
copy short url   نسخ
19/11/2017
5732