+ A
A -
لم يكن من قبيل السلطة أن يقدم دونالد ترامب، ومنذ اللحظة الأولى لدخوله البيت الأبيض، على تعيين جاريد كوشنر، زوج ابنته الذي لم يتجاوز عمره 36 عاما، كبيرا لمستشاريه، وأن يكلفه رسميا بمتابعة ملف الصراع العربي الإسرائيلي، بما في ذلك إجراء الاتصالات اللازمة مع كل الأطراف المعنية، خاصة الفلسطينيين والإسرائيليين، لبلورة معالم «صفقة القرن» التي يحلم ترامب بإبرامها خلال فترة ولايته الأولى (إن استطاع أن يكملها طبعا) وهي الصفقة التي يعتقد أنها ستؤدي إلى تسوية شاملة ونهائية للقضية الفلسطينية ولكل مظاهر الصراع العربي الإسرائيلي في الوقت نفسه.
فكوشنر ليس مجرد شاب قريب إلى قلبه ومحبب إلى نفسه وموضع ثقته التامة، باعتباره زوج ابنته المدللة، لكنه أيضا رجل أعمال يهودي الديانة ولديه صلات واسعة وقوية جدا بالأوساطة المالية والسياسية القريبة جدا من مراكز صنع القرار في إسرائيل، بما في ذلك نتانياهو نفسه. ولأن ترامب يحرص كل الحرص على أن يثبت لنفسه أنه بارع في عقد الصفقات السياسية بنفس قدر براعته في عقد الصفقات التجارية، يبدو أنه توصل إلى قناعة مفادها أن منطقة الشرق الأوسط حبلى بتناقضات هائلة تدفع بها نحو عملية مخاض عسير يمكن، إذا ما أحسن توظيفها، أن تساعد على الوصول إلى «صفقة» تلبي هواجس واحتياجات إسرائيل الأمنية وتسوي المشكلة الفلسطينية في الوقت نفسه مرة واحدة وإلى الأبد.
التناقضات التي يعتقد ترامب أنه يستطيع استغلالها لتمرير «صفقة القرن» تدور حول محورين:
الأول: محور العقد والتعقيدات التي تحكم وتتحكم في العلاقات العربية الإيرانية، ليس فقط بسبب الخلافات المذهبية العميقة بين السنة والشيعة، ولكن أيضا بسبب الطموحات القومية والتاريخية المتصادمة والمستعرة بين الطرفين.
الثاني: محور الصراع المحتدم داخل الأسرة السعودية الحاكمة بسبب الإصرار على حسم قضية انتقال السلطة لصالح أحد فروع هذه الأسرة، ليصبح انتقالا هرميا من الأب إلى الابن ومن بعده إلى الأحفاد بعد أن كان انتقالا أفقيا بين أبناء الملك المؤسس عبد العزيز بن سعود.
ويرى ترامب أنه إذا استطاع اقناع السعودية بالتصدي لقيادة الدول العربية نحو تطبيع علاقتها بإسرائيل، دون اشتراط الانسحاب من كافة الأراضي العربية المحتلة كما تقضي المبادرة السعودية في طبعتها القديمة التي تبنتها قمة بيروت 2002، مقابل تأييد الإدارة الأميركية للخطط الرامية إلى نقل السلطة في المملكة إلى محمد بن سلمان، يكون بذلك قد ضمن تذليل عقبة كبيرة أمام تمرير الصفقة. كما يرى أنه إذا استطاع إقناع إسرائيل في الوقت نفسه بالقبول من حيث المبدأ بقيام دولة فلسطينية لا تشترط تفكيك المستوطنات الإسرائيلية وتقبل توطين الفلسطينيين حيث هم، مقابل تأييد الإدارة الأميركية للخطط الإسرائيلية الرامية لممارسة أقصى قدر من الضغوط لنزع سلاح حزب الله وإنهاء برنامج إيران الصاروخي، يكون بذلك قد ضمن تذليل العقبة الباقية لتمرير «صفقة القرن»
في ضوء ما سبق، يبدو واضحا أن تفجير الأزمة اللبنانية المشتعلة حاليا والتي تستهدف نزع سلاح حزب الله، بالتوازي مع نشر أنباء متفرقة عن بدء دوران عجلة تطبيع العلاقات بين دول عربية وإسرائيل، على رأسها السعودية، ليست سوى مقدمات طبيعية على طريق إبرام «صفقة القرن» التي كشفت صحف إسرائيلية مؤخرا عن أهم معالمها، وذلك على النحو التالي: 1 - مفاوضات مباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين تحت مظلة إقليمية، ومحادثات متزامنة تعقد من أجل التطبيع الكامل بين إسرائيل والدول العربية. 2 - تقدم تدريجي نحو حل الدولتين، مع بقاء جيش الاحتلال منتشرا على طول وادي الأردن، وتأجيل المفاوضات حول مستقبل القدس إلى وقت لاحق. 3 - تسليم الفلسطينيين مناطق إضافية في الضفة الغربية. 4 - مساعدات مالية سخية للسلطة الفلسطينية لإعمار قطاع غزة ودفع عجلة التنمية في الضفة.
ليست هذه، في تقديري، محاولة لتسوية القضية الفلسطينية وإنما خطة لشن الحرب على إيران وحزب الله.
بقلم:د. حسن نافعة
copy short url   نسخ
23/11/2017
3494