+ A
A -
سنختم هذه السلسلة عن أسواق العمل المستقبلية بمحاولة الإجابة عن سؤال مهم للغاية ألا وهو ما دور الدولة في ظل هذه التكنولوجيا المتقدمة والمتطورة «يومياً» لمحاولة تعظيم المنافع وتقليل الخسائر الناجمة عن نشوء هذه التغيرات الضخمة المتوقعة في أسواق العمل؟ الإجابة قد تصدم القارئ لأن أول واجبات الدولة في منطقتنا في هذه الحالة هو أن تحاول أن تعلم نفسها وأن تستيقظ من سباتها، حيث إن معظم المسؤولين لا يدرون عما هو قادم شيئا ولا يكترثون بما يمكن أن يحدث! ولهم الحق فكيف سيهتمون ويكترثون بما هو قادم وهم لا يدرون ولا يعلمون عنه شيئا؟
هالني كما كتبت منذ أسبوعين حجم عدم الإدراك وعدم الاهتمام بما سيحدث لنا عن قريب.. والحكومة ليست الوحيدة التي تغط في سبات عميق، فكما كتبت لقراء هذه الجريدة إنني استغرب لشعوري «أن التغيرات القادمة والمتوقعة والوشيكة في سوق العمل.. لا تلقى الاهتمام الكافي من الباحثين والدارسين سواء في العلوم الاقتصادية والإدارية أو الاجتماعية والإنسانية». ولقد أرسل إلى أحد الأصدقاء والزملاء الباحثين تعليقا على استغرابي ما يلي: «أعتقد أن الاستغراب من عدم اهتمام المجتمع بهذه القضايا المرتبطة بالتحول التكنولوجي السريع والثورة التكنولوجية الرابعة يأتي من استغراق المختصين في المشكلات المحلية، ومع تكرار المشكلات ذاتها كل فترة أصبح الناس هنا يعتقدون أن المشاكل الاقتصادية ليست أكثر من مشاكلنا المحلية (ارتفاع أسعار وعجز الموازنة، والدعم،.......إلخ) لكن أسئلة من نوع أثر التكنولوجيا على سوق العمل، دور الطابعة ثلاثية الأبعاد في تغيير شكل الإنتاج والاستهلاك في المستقبل، الحوسبة السحابية، وغيرها ربما يعتبرها كثيرون من قبيل الترف الفكري.
ومن وجهة نظري البسيطة فإن الأفكار التي تطرحها سعادتك في هذا الإطار تحتاج إلى ترويج محلي كبير لتوعية (المختصين) بأهمية الالتفات إلى ما هو قادم قبل أن نجد أنفسنا قد وقعنا في ذهول المفاجأة وأصبحنا خارج الزمن.
وأنا أتفق تماما مع الصديق الباحث في وجوب توعية المسؤولين والمختصين باتخاذ القرارات التي ستؤثر وتتأثر بما هو قادم. ولكن كيف ستتم هذه التوعية؟ أعتقد أن كتابة مثل هذه المقالات وإثارة الحوارات من خلال وسائل الإعلام بالإضافة إلى رعاية الدولة لإقامة المؤتمرات المتخصصة ودعوة المختصين من الداخل والخارج لمناقشة هذه الأمور وتحليلها والخروج بتوصيات ومقترحات يتم تقديمها للمختصين لتفعيلها يكون واجبا قوميا.
دور الدولة التقليدي في ظل النظم الحالية يتلخص في أربع وظائف. أولاها: توفير الأطر القانونية والتشريعية المناسبة التي تحفظ للمتعاملين حقوق الملكية وتضمن تنفيذ العقود التجارية وتكفل جودة المنتجات وتضمن حقوق العمال. كيف سيتأثر هذا الدور بما هو قادم من تقدم تكنولوجي قد لا نراه حاليا؟.. يجب على الهيئات التشريعية والتنظيمية إيجاد سبل للتكيف باستمرار مع بيئة جديدة سريعة التغير من خلال إعادة اختراع نفسها لفهم ما تنظمه بشكل أفضل ولخلق النظام البيئي التنظيمي والتشريعي الذي يمكن أن ينتج أطرا أكثر مرونة.
الوظيفة الثانية للدولة هي محاربة الاحتكار وتشجيع المنافسة. وهذه أيضا سيكون فيها تحدٍ، حيث إن التقدم التكنولوجي الحادث والقادم سينتج عنه كيانات ضخمة وعالمية مثل المنصات الإلكترونية عابرة للحدود (أوبر وواتس اب وعلي بابا... الخ) والتي لها خصائصها الفريدة مما قد يجعلها تتعارض أحيانا مع المصلحة القومية. فكيف يمكن للدولة محاولة تطويع هذه الكيانات لما فيه الصالح العام دون الإخلال بفرص الاندماج في السوق العالمية التي تخلق فرص عمل وتسهم في رفع معدلات النمو؟
الوظيفة الثالثة للدولة خاصة بتوفير السلع العامة وإعادة توزيع الدخل لصالح الطبقات المحدودة الدخل. ومما لا شك فيه أن التقدم التكنولوجي الحادث سيؤثر كثيرا في تلك الوظيفة كما أشرنا من قبل.
بقلم : أ. د. حسن يوسف علي
copy short url   نسخ
24/11/2017
2481