+ A
A -


مَرَّات يُخَيَّلُ إليكَ أن صناعةَ النجومية حُلم، ومَرَّات أخرى سَتُصَدِّقُ يا صديقي أن صناعةَ النجومية وَهم.. وبين الْحُلم والوهم حكاية، حكاية سأختصرها لكَ في كلمتين: ابتسامة ودموع..
كثيرا ما يَتصور المرءُ أن سيدات الشاشة مَلِكات مُتَوَّجات، لكنه لن يَخطرَ على باله أن يفكر في أنهن مُعَلَّقات (حتى حين) على عَمود مملكة السراب. لِنَقُلْ بعبارة أخرى إنهن أميرات دون إمارة، لأنهن يَفتقدن حياةَ الإشراق السرمدية..
أميرات السينما أو مَلِكاتُها كما يَطيبُ لكَ أن تُسَمّيهن لَسْنَ بأخريات سِوى التعيسات اللواتي تُغْريهنّ صُوَرُهنّ في مَرايا الكاميرا إلى أجَل غير مُسَمَّى، لماذا؟! لأن وردةَ الْحَظّ سرعان ما تَذبل، ويَمضي قطارُ الشهرة والمجد بعيدا عن محطاتهن..
هكذا هي لُعبة صِناعة النجومية، ضَرْبٌ من الْمُقامَرة هِيَ، تُصَوِّر لضحايا الْفَنّ مِن الإناث أنهن يَتربعن على عرش القلوب، فإذا بالقلوب سرعان ما تَزْهَد في حُبِّهنّ وعِشقهنّ والوَلَه بهنّ ما أن يُسدِلَ مسرحُ الأنوثة الصارخة سِتارَه..
تَنطفئ شمعة النجومية، تلك الشمعة التي ظَلَّتْ إلى الأمس القريب حارقة، متوهجة، مشتعِلة اشتعال غرائز القلوب التَّوَّاقة إلى وصال النجمات والحظوة بقُربهنّ..
ولا أحد، لا أحد يُصَدِّق إلاَّ بعد فوات أوان النضج الجسدي السينمائي والعطاء الفني والأَلَق العُمْري أن شمعةَ النجومية تَخْفت ويَذهب ضوؤها مع بداية زَحْف التجاعيد، التجاعيد الحقيقية أو التجاعيد المستيقِظة باكرا تحت وطأة العامِل النفسي..
وفي الوقت الذي تَزداد سيدات الْحَرف بَريقا وألَقاً بكتاباتهنّ، فكلما تَقدَّمت بهنّ عَرَبَةُ العُمر الذي يتوقف عليه نضج الكاتبة يُشرقن أكثر فأكثر، نَجد أن سيدات الشاشة تَضيقُ حدودُ انتشارهنّ ويتقلَّص حضورُهنّ..
كم يَنقص المرءَ الإيمان بأن إشعاع الواقفات خلف الكاميرا يَقِلُّ إلى الدرجة التي تُهدِّدُ الواحدةَ منهنّ بوضع حَدّ لحياتها! ومتى؟! إن لم تَكُن قوية بما فيه الكفاية لِتَتَأَقْلَمَ مع فُتور رغبة الْمُشاهِد فيها، أو لِتَستسلِمَ على الأقلّ لهزيمة حِصانها في معركة الزمن..
في ذاكرة عدد مِن المسكونين بالفَن السابع تُقيمُ الأميركية نورما جين مورتنسون NORMA JEANE MORTENSON الشهيرة باسم مارلين مونرو MARILYN MONROE، وما هي في حقيقة الأمر سِوى واحدة من الكثيرات اللواتي غابَتْ شمسهنّ، أو لِنَقُلْ على وجه التدقيق: شمسهنّ هَوَتْ، وما عادَتْ شمعتهنّ تُجْدِي ضَوءاً..
مارلين مونرو واحدة مِن الْمَرغوب فيهنّ على مَرّ تاريخ التألُّق بسحر جمالها، جمالها الذي كان يَهزّ عُروشَ عُشّاق الجَمال وطُلاَّب الدَّلال على امتداد عواصم العشق التي يُضْرَبُ فيها لجُسور المحبَّة مَوعِد..
لكن هل كانت مارلين مجرد صورة صَنَعَتْ منها عارضةَ أزياء في وقت مُبكِّر وصَيَّرَتْها لُعبةً طيعة في يَد أرباب شركات التجميل والموضة؟!
هل كانت مارلين مجرد جَسَد فارغ من المحتوى الْمُدْرَك وَعياً وعقلاً؟!
لا يعقل يقيناً، لماذا؟! لأن مارلين كانت تُثَمِّنُ الثقافةَ والفكر، بدليل الكتب التي كانت تحتفظ بها، فضلا عن زواجها لمدة سَنوات مِن كاتب لَيس بِآخَر سوى آرثر ميلر ARTHUR MILLER..
حسناء هوليوود، القطة الشقراء مارلين، أسرَت العيون والقلوبَ وحصدَت النجاحَ والْحُبّ، لكن ماذا عن الشمعة التي جَعَلَتْها مَلِكَةَ القلوب العاشقة لعينيها الساحرتين وإطلالتها الحُلْوَة؟!
الشمعة التي كانت تتآكَل قُبالَتَها قلوب سَكنَها طيفُ مارلين فاحترقَتْ تَوْقاً إلى الفوز بها، تلك هي الشمعة نفسها التي احترقت بها مارلين ما أن غادَرَتْها حرارةُ ربيع العُمْر لِيَحطّ شتاؤه القاسي بكُلّ ثقله الذي لم تتحمله النجمةُ الرقيقة في عيون مُحِبِّيها..
أين تراها رحلَتْ نظراتُ الإعجاب والْحُبّ والتقدير؟!
أين رحل ما كان يُقابِلُها مِن ابتسامات الثقة بِما تَعرِضُه مِن مُتْعَة فنية؟!
أين رحلت إيماءات الرضى التي كانت لا تَكفّ عن قراءتها في وجوه مُحِبِّيها؟!
أين رحلت انحناءات الإجلال والتقدير قُدَّامَها من جانب العابرين لطريق حياتها؟!
أين رحلت ورود الرغبة في التقاط صورة تذكارية معها؟!
أين رحلَتْ همسات النسوة في ما بينهن غيرة من سِحر لا يَخفى عن جميلة فاتنة؟!
أين رحلَت رسائل الدعوة إلى بِناء صداقة تاريخية مع نجمة لن تتكرر؟!
أين رحلَتْ مُطارَدة نُجوم الوَسامة والجَمال والْحُسْن لها رغبةً في ظِلال علاقة تُذْكَر؟!..
كُل هذا وذاك ذهب مع الريح، ذهبَ حين ارْتَدَتْ شمسُ الصِّبا رداءَ المغيب وتساقطَتْ أمطارُ مرحلة جديدة من العُمر لا تكاد تُذْكَر فيها مارلين..
في أَيّ حيز (والحال هذه) سَتَقِفُ مارلين على امتداد مساحة هوليوود مدينة الجَمال العميق، المدينة التي يتنفس فيها المرءُ الجَمالَ ويَعبق به بالنظر إلى عدد الفاتنات اللواتي يُجَمِّلن أرضَ هوليوود، فإذا بالواحدة منهن تُزَيِّنُ تَفاصيلَ الأرض والهواء وتُعَطِّرُ الأجواء؟!
هل شاخَتْ مارلين وترهَّلَتْ إلى الدرجة التي ما عاد أحد يَراها بِعيون عاشقة للجَمال؟!
بالتأكيد لا، فَمَرايا التاريخ السينمائي ليسَتْ كاذِبة، ومازالت تُصوِّر لنا مارلين أميرة فاتنة، لكنْ لِمَنْ؟! لِمَنْ لَم تَتعوَّدْ عيناه على مقارنتها بفاتنات هوليوود اللواتي يَضربْنَ قلوبَ مُقَدِّسِي الْجَمال الصارِخ كما تَضرِب صواريخ بالستية..
إنها ضربات الْحُبّ التي يُثَمِّنُها القلب، وأيّ قلب؟! القلب الذي يَعتصره الظَّمَأ إلى تَصفُّح كتاب الجَمال ورقةً ورقةً..
في مدينة تَغلي غليانا بالفاتنات اللواتي لا يُدانينَ العِشرينَ، كما كان يَحدث في هوليوود آخِرَ زمنِ مارلين، لا أحد سيَنتبه إلى امرأةٍ استَنْزَفَتْها التجربةُ استنزافا وسَرقَتْ منها الكثيرَ مِن البريق قبل أن تُشْرِفَ على الأربعين..
هل كانت مارلين ستَحلم مجددا بأدوار الإغراء والإثارة التي لم تَعُدْ تُناسبها مع تقدمها في العمر نسبيا.. ربما لأن عاملَ العقاقير الْمُنَوِّمَة والإدمان أضافا إلى عُمرها الحقيقي سنوات..؟!
ولهذا لَم يَكن عجبا أن تَفهم مارلين أنها أصبحَتْ تَسجن نفسَها في عُنق قارورة الحياة الضَّيِّق، وهو ما دَعاها إلى تشييع جنازة نُجوميتها التاريخية بحفنة حُبوب مُنَوِّمَة تُعْلِن مُغادَرة مارلين لحَلَبَة الحَياة مُغادَرة طَوعية..
حفنة حبوب مُنوِّمة أَطْفَأَتْ بها مارلين لهيبَ الخيبة في استرجاع الْمَجد الفني الزائل ما أن انطفأت أضواء الشهرة..
حياة غير عادِلَة كتبَتْ حكايةَ أيقونة السينما الغربية مارلين سيدة الإغراء ونجمة الاستعراض: يُتم.. اغتصاب.. ليل انتظار لا آخِرَ له ولا شموع تُشجع على استهلاك المزيد من العُمر.. خذلان.. هوية ضائعة ونكران..
ماذا نَعرف عن مَشهَد حياة بعيني فَتاة مُتَخَلّى عنها، فتاة بَعْثَرَتْها الأقدارُ قبل أن تُلَمْلِمَها الأيادي الدافئة أو الأيادي الماكرة مَكر الثعالب؟!
مارلين نَجَتْ مِن الموت مرارا، سواء على يَد أُمِّها المضطربة نفسيا (والمنتهية صلاحيةُ إحساسها بصغيرتها منذ ملازمتها لمستشفى الأمراض العقلية) أم تحت قدمي من اغتصبها وتحرش بها..
حبَّة الْمُسَكِّن الْمُسَمَّاة الزواج هي الأخرى لم تُسْعِف مارلين لإطفاء رغبتها في إنقاذ نفسِها المتعَبَة.. أخفق زواجُها الأول عندما تَفَرَّغَت لعملها السينمائي على حساب شريك حياتها.. ثم أخفَقَتْ زِيجاتُها الأخرى تباعا..
فهَل نُصَدِّقُ أن قاعدةَ المأساة وأسوأ نقطة في خريطة حياة مارلين كانت وقوعها في قَبضة كَمَّاشة السياسة عندما سَقَطَتْ مِظَلَّةُ مغامراتها العاطفية عند رصيف البيت الأبيض في عهد الأخوين كينيدي؟!
بقلم : سعاد درير
كاتبة مغربية
copy short url   نسخ
25/11/2017
3245