+ A
A -
تتجه دول الاستبداد العربي (بوصفها النقيض الموضوعي لكل نفس تحرري وديمقراطي في المنطقة العربية) إلى اعتماد جملة من الممارسات الإجرائية لحماية نفسها من الانهيار وبأساليب مختلفة والغاية منها حماية النظام المهترئ وليس خدمة الشعب، وقد وجدت في رفع فزّاعة الإرهاب شعارا مناسبا للتخويف من أي تغيير قادم باعتباره يمس البنية الإقليمية للنظام الرسمي العربي مستفيدة في ذلك من نزعات دولية تخشى من الديمقراطية العربية بدافع الحرص على المصلحة الصهيونية.
وهو ما تجلى بوضوح أثناء العدوان على غزة وما تلاه من حصار دائم لها حيث وقفت أنظمة الاستبداد العربي موقفا مخزيا إلى الحد الذي بدا فيه تناغمها واضحا مع مواقف الكيان الصهيوني وفي بعض الأحيان معلنا من جهة الرغبة في إدراج المقاومة الفلسطينية ضمن السياق العام لمحاربة الإرهاب في المنطقة.
وتأتي القوائم المتتالية التي تعلن عنها هذه الدول لما تسميه الشخصيات والمنظمات الداعمة للإرهاب لتكشف عن طبيعة توجهات هذه الدول. حيث يمكن ملاحظة أن غالبية المدرجين ضمن هذه القوائم هم من المعارضين لسياسات دول الاستبداد والتي ترفع لواء حصار دولة قطر، وأن بعض الشخصيات التي يتم نعتها اليوم بالإرهاب كانت في الماضي القريب مرحبا بها من ذات المؤسسات الرسمية التي تتهمها اليوم بدعم العنف والإرهاب والأغرب من هذا هو التقاطع العجيب بين الموقف الإيراني من اتحاد العلماء المسلمين وموقف السعودية من ذات المؤسسة على الرغم من صوت الجعجعة حول حالة صراع مفترض بين الجهتين.
إن القوائم التي تصدرها دول الاستبداد العربي تتغاضى عن الأسباب الحقيقية للإرهاب والمصادر التي يتغذى منها ذلك أن الوقائع على الأرض تثبت أن تصاعد العنف والفوضى وتمدد جماعات الإرهاب كان النتيجة الموضوعية للسياسات الفوضوية التي تنتهجها أنظمة الاستبداد سواء عبر التدخل في شؤون الدول ودعم المحاولات الانقلابية ونشر الفوضى وخلق بؤر التوتر في دول مثل ليبيا واليمن والصومال وفي تحريضها على الفتن ورفضها للمصالحة الوطنية استجابة للمطالب الشعبية المتصاعدة في إيجاد الصيغة المناسبة للتعايش وحل المشكل السياسي على أساس حقوق المواطنة والمشاركة في الحكم بين جميع الأطراف دون إلغاء أو إقصاء، وهو ما يشكل الوضع في مصر نموذجه الأقصى في ظل الحكم الانقلابي الذي يحاول اكتساب شرعية دولية عبر التسويق لفكرة إنقاذ المنطقة من خطر الإرهاب الإسلامي بينما يمارس النظام أشد أساليب القمع والتقتيل ضد الإرادة الشعبية.
إن دول الاستبداد العربي وإن بدا وكأنها تكسب صراعها ضد التيار المتصاعد للحرية في المنطقة خاصة بعد حالة الجزر التي شهدها المد الثوري في سوريا وظهور جماعات موصوفة بالإرهاب وتراجع العملية الديمقراطية اثر الانقلاب المصري حيث أصبح إعلام الثورة المضادة وأصوات الردة أعلى صوتا وأكثر ضجيجا. غير أن الشواهد التاريخية جميعا تقول إن الثورات لا يتم حسم مصيرها في شهور وإنما تحتاج إلى زمن طويل لتدرك غاياتها النهائية وأنها لا تسير دوما في خط مستقيم وإنما تعرف تعرجات وأزمات وصراعات قبل أن تستوي على سوقها وتتخذ صبغتها النهائية وهي لا تتحقق بشكلها الأمثل إلا في ظل محاولات الإجهاض والتآمر وبسببها لأن الثورات هي نتاج التحدي وتتجاوز حدود المعقول أحيانا وكما تقول حنة آرنت «إن في الثورات شيئا إلهيا» ويكفي أن نشير إلى أن هذه الثورات مهما كان مآلها «قد أحدثت بفعل زخمها المتزايد في سنوات قليلة عمل قرون طويلة» كما قال يوما روبيسبير محقا عن الثورة الفرنسية.
وأخيرا تسير أنظمة الاستبداد خارج سياقات الزمن وتعاكس منطق التاريخ وطبائع المدنية من حيث إن المسار الحقيقي للشعوب إنما يتجه صُعُدا إلى الديمقراطية ولن تطول أزمان الاستبداد فالحرية أولا والحرية أخيرا.
بقلم : سمير حمدي
copy short url   نسخ
28/11/2017
2659