+ A
A -
قليلون جداً هم المدركون لما يجري من حروب إلكترونية ستهيمن على معارك الكون في السنوات المقبلة. وستصبح الحروب العادية التي تشن هذه الأيام، خلال وقت لن يطول، شيئاً من الماضي ومنازلات تتميز بالتخلف أو حتى بالجهل.
لا يعني ذلك أن الحرب التقليدية ستفقد وجودها أو ضررها، وانما ستصبح الأحداث التي عشنا معها طوال عمرنا والدماء التي سالت أمام عيوننا والأنقاض التي هدمت في شوارع مدننا جراء التطاحن البشري المرعب، صوراً ذات مأساوية أقل، في الظاهر على الأقل، ومشاهد خالية من دموع الحزن والولولة والصراخ والعويل.
ليس حضارياً هذا الخلط الذي نحن بصدد التعامل معه، وليس إنسانياً على الاطلاق، غير أن الحروب بمعناها التقليدي ستبدأ مرحلة الاندثار التدريجي، لتحل محلها صراعات تجري تحت بند «الدمار النظيف» حيناً، و«الموت الرحيم» حينا آخر، والقتل عن بعد في أحيان كثيرة دون أن يأبه مطلق القذائف إلى ما فعلت قنابله. فهو لا يلتفت إلى الوراء ولا يعتبر نفسه مسؤولاً عن الهدم، لأن ما يهدم يبنى أحسن منه في المستقبل المشرق الموعود !
تلزم تلك المقدمة لشرح معنى «تكنولوجيا الذكاء الصناعي» وهي عبارة بديلة للحروب الإلكترونية التي تتفوق فيها الولايات المتحدة وتعتبر الصين المنافس الأول الذي يقدر الخبراء أن يلحق بأميركا في غضون خمس سنوات فقط.
وإذا كان الجيش الصيني يتوقع استخدام الذكاء الصناعي لإحداث تغيير أساسي في طبيعة حروب التفرد في ميدان المواجهة، فإن العنصر البشري لن يستطيع مواكبة سرعة التغيرات التي تتحكم بها الآلية الإلكترونية اليوم.
الذكاء الحالي يشكل تهديداً للتوازن الاقتصادي والعسكري للقوى العالمية، فيما تشارك قوى عديدة قادرة مثل روسيا واليابان وكوريا الجنوبية وقوى أوروبية وشرق أوسطية مثل إيران والسعودية، في أخذ دور لها في تلك الحروب الإلكترونية.
وعلى سبيل المثال فإن ما يسمى «دودة الإنترنت» غزت الاتفاق النووي الإيراني في عهد ترامب وتعرفت على أسرار الخصم، فيما رد الإيرانيون بمهاجمة الشبكات الأميركية وعطلوا بعض معلوماتها.
كما أن إيران والسعودية منخرطتان مبدئياً في هذا النوع من الحروب السيبيريانية، أي الإلكترونية، التي تحتاج إلى الحواسيب وأجهزة الاستخبارات والأنظمة المعلوماتية أكثر من حاجتها للقوات على الأرض.
وكانت الإمارات من الدول التي جربت القرصنة الإلكترونية لتفجير أزمة الخليج الناشبة حتى اليوم عندما اقتحمت حواسيب قطرية وزرعت كلاماً خطيراً لم يقل بالمرة. وفي كل الأحوال فإن التسارع الرهيب في الحروب الفضائية يحول الجيوش الجرارة شيئاً فشيئا إلى ما يشبه الروبوتات، التي تخضع لقوة العقل وليس لتمرير الأوامر، وذلك كمقدمة لاستبدال الجيوش عامة في المستقبل، بإلكترونيات وآليات ووسائل قرصنة متطورة تحسم أغلب المعارك من داخل غرفة المعيشة، على سبيل المثال !

بقلم : مازن حماد
copy short url   نسخ
30/11/2017
2701