+ A
A -

تحدثت وأعيد التحدث من جديد، عن المخرج الوحيد المشرف واللائق والأخلاقي الممكن، من الأزمات المتشابكة في الشرق الأوسط والخليج وشمال إفريقيا، بما يشمل العالم العربي ومناطق محيطة به. المخرج المقصود والمطلوب بإلحاح وأولوية هو المخرج القائم على المصالحة التاريخية.
الكلمة سهلة لكنها كبيرة.. كبيرة جداً وتطال كل واحد منا دون استثناء. ومن خلال مراقبتنا لطاولة الرهانات العملاقة وأكوام «الفِيَش» تتراكم فوقها، نعلم أن الثمن يطال كل شيء تقع عليه العين: المنطقة ومستقبلها ومصير أبنائها، وهو كلٌ قد يكون مرهوناً إلى الأبد.
الرؤوس الحامية تفكر بالانفجار الكبير أو الصفقة الكبرى أو ضربة القرن، وآخرون يرضون بحرب إلكترونية تقطع التيار عن كل الأسلحة وتشل الرادارات وتجمد الصواريخ والسفن فتعم الفوضى، وتسيطر على الموقف المقولة الشهيرة والتي يبحث عنها أصحاب النوايا الحسنة: «شر البلية ما يضحك» !
وحتى عندما دعت الكويت رسمياً قطر لحضور قمة التعاون بعد ثلاثة أيام، لم نحس للأسف أن كل شيء على ما يرام. فهذه الدعوة المفاجئة لا نرجو الغرق في كل تفاصيلها والتطلع إلى الخبايا والنوايا والسيناريوهات التي لم ترسم كلها بعد، ولا حتى أن نفرح لأن الدعوة لم تربط بضرورة إغلاق قناة الجزيرة أولاً.
نحن نتحدث عما هو أكبر من ذلك بكثير، كحسن النوايا والجدية في التخلص من القاذورات ومن الحَفْر في الأنفاق الليلية. نريد شرق أوسط ومجلس تعاون وشمالاً افريقياً خالية من التنمر والتآمر. نحن لا نطلب المثاليات، فالكمال لله وحده، لكننا نسعى إلى وضع لا يشق فيه أحد الخنادق أو يعلق المشانق، أو يهدم الأبراج والفنادق.
نريد أن نسترد عواطفنا التي قسا عليها الجميع، بمن في ذلك نحن، ورَهنَّا أنفسنا لظروف صعبة لم نكن أذكياء بما يكفي لنسيانها عن عمد في أعماق المحيط.
لم ولن نتكلم عن هذا أو ذاك، ولكن عن طاولة الروليت التي وضعت عليها مصائرنا فرداً فردا، وتراب بلادنا كمشة كمشة، فيما يتصارع شياطيننا الشريرون حول هذه التلة أو تلك، أو المدينة الفلانية أو العلانية.
بصراحة أكثر، نحن لا نريد منازلة أبدية بين السُنة والشيعة ولا بين الدروز والموارنة، أو أي طائفة، أو عرق آخر ذي أصول عربية أو فارسية أو تركية أو طاجيكية، أو ذوي بشرات صفراء أو داكنة.
نحن نريد للإنسان أن يحيا، وأن يسمو كثيراً فوق الطائفة والمذهب والعرق واللون، وأن يحترم ذاته والآخر لأنه إنسان من خلق الله وإبداعه، زُرعت فيه صفات العفو والمقدرة والمودة، لا الانتقام والترويع، وإحراق الناس أحياء أو قص أجسادهم بالسيوف. إن الدين أيها الأخوة، أي دين بكل مذاهبه، والإنسانية بكل مدارسها، والأخلاق بكل تعليماتها، لا تطلب ذلك ولم تطلبه أبداً.
كم كنت أحلم منذ سني المراهقة أن يتخلص اللبنانيون الأعزاء من إرث طائفي ومذهبي وعرقي مازال يعمل منذ ما قبل استقلال ذلك البلد؟ فلماذا يكون رئيس الجمهورية مارونيا فقط ورئيس الحكومة سنياً ورئيس البرلمان شيعياً.. الآن في القرن الحادي والعشرين؟
ليتعبَّد كل كما يريد وليحمل ما شاء من الكتب والأدوات وليسجد وليركع كما يحب وليقل ما يراه صحيحاً، مالنا وماله؟! ما يهمنا أن تُبنى علاقاتنا على الاحترام والمودة والإنسانية والأخلاق، فالعبادة شأن داخلي محض.
نعم للإنسانية، ففيها تتجسد المحبة الصادقة بين الطوائف والأعراق دون تشنج أو غضب أو خوف أو جنون. القبول بالآخر هو مفتاح الحل. نعم لسقوط حصون الطائفة والعرق واللون والحسب والنسب. ولنعد إلى الأوقات التي لم نكن نعرف فيها اسم جارنا.. كنا نعرف فقط أنه إنسان !
بقلم : مازن حماد
copy short url   نسخ
02/12/2017
3518