+ A
A -
أنام وأصحو هذه الأيام على تيمور ابن وليد ابن كمال جنبلاط، وعلى سمير ابن توني ابن سليمان فرنجية وأمثالهما من ملوك لبنان غير المتوجين. لا يهمني إطلاقاً ما يقال عن طقوس يمارسها هؤلاء .ولا ننسى ونحن نتكلم عن هذا البلد الصغير ذي العشرة آلاف كيلومتر مربع، كيف اقتطع من بلاد الشام وسط جمال طبيعة من إبداعات الخالق. فالإنسان في تلك المسافة الصغيرة المقتطعة من ريشة لم يعرف أحد مثيلاً لها، كان يحس بأنه يقيم في جزء من سويسرا.
وقد أسهم الحرص «الكوزيني» على إظهار ذلك البلد الطائفي حتى العظم، وكأنه وجد ليكون جنة في كل شيء، في كونه ملاذاً للهاربين من الاضطهاد ولمهربي المال والمخدرات والنساء الجميلات. كانت تلك أرضاً قدمها سادتها الموارنة المعينون في باريس، الذين اعتبروه وربما ما يزالون، ملكهم الخاص، وإنْ كانوا قد أنعموا على الشيعة والسُنة ببعض ما منحتهم إياه فرنسا الأم، فبدا أولئك شحاذين في بلادهم، فيما تصرف الموارنة بأناقتهم المفرطة، وغناهم الواضح، وتعلقهم بالموروثات الارستقراطية كالحناطير، والسهر حتى الصباح على الرقص الشرقي المرافق لأغنيات عبدالوهاب وليلى مراد وفريد الأطرش ومطربي الموالات، جنباً إلى جنب مع أوبريتات ومقطوعات أوركسترالية لموزار وباخ وبيتهوفن.
ثمة مصيدة كبرى خطط لها العقل الاستعماري وهو يفرق ما بين محمد وأنطون وما بين نيافة البابا وسماحة الشيخ. فالقصة في لبنان المطبوع بكل هذا الجمال، مفضوحة منذ أوائل القرن الماضي، خاصة عندما ألحقت تلك الكيلومترات القليلة بسوريا الكبرى التي حكمته من وراء الكواليس رغم رئاساته الثلاث الشكلية، وظل حتى اللحظات الأخيرة تابعاً سياسياً واجتماعياً من أدوات عرش غير شرعي يتربع فوقه سوريون معينون.
تفوق الموارنة وأصبحوا كباراً بالنسبة لمواطنيهم فقراء الجنوب أو رعاع الطرق في بيروت القديمة، ووصلوا إلى حد التنكر لبقية مواطنيهم المسلمين شيعة وسُنة ودروزاً، عدا المسيحيين غير الموارنة الذين أصبحوا جميعاً خدماً في البلاط الماروني السري إلا من رحم ربي من موظفين كبار عينهم المستعمر ومن بينهم رئيسا الوزراء والنواب.
لم يكن لبنان وجهة المصطافين أو الهاربين من الاضطهاد أو الساعين للمتعة والطعام الجبلي الأخاذ، بل كانوا وما زالوا مرجل نار طائفي فاسد يعتمد الباشوبة وتهريب السلاح والمخدرات. نحن مهزلة قطعاً، ولم نستوعب الدرس أبداً!
بقلم : مازن حماد
copy short url   نسخ
03/12/2017
3320