+ A
A -
تروي كتب الأخبار والسِّير، أنّ المأمون على ثقافته الواسعة شأنه شأن المعتزلة في ذاك الزمان، كان يحبُّ الشعر كثيراً ولكنه لم يكن يحسن قرضَه! وحدث مرةً أن أنشدَ قصيدةً في مجلسه كان قد أمضى الليل ينظمها، ولما انتهى، التفتَ إلى أبي نواس وقال له: هل أعجبتكَ القصيدة يا شاعر؟
فقال له أبو نواس: لا أشمُّ فيها أي رائحة للبلاغة! فغضب المأمون وأسرَّها في نفسه، ولما انفضّ المجلس، أمرَ بحبس أبي نواس في الاسطبل مع الدواب!
وظل أبو نواس شهراً كاملاً محبوساً هناك، ولما أفرج عنه، أدخله مجلسه مرةً أخرى، وعاد ليلقي قصيدة أخرى، وما كاد يُتمها، حتى نهض أبو نواس ليخرج من المجلس..
فقال له المأمون: إلى أين يا شاعر؟
فقال أبو نواس: إلى الاسطبل يا مولاي!
بعيداً عن أنّ المأمون كان على مذهب المعتزلة، وكلّل هذا الضلال بجلد الإمام أحمد بن حنبل في قضية خلق القرآن الشهيرة، إلا أنه كان أحد أكثر حكام الأرض حُباً للعلم والكتب والثقافة تشهد له مكتبة بغداد، وإعطاؤه لمن ترجم كتاباً عن الحضارات الأخرى وزن الكتاب ذهباً! وأبو نواس بعيداً عن مضامين شعره التي تفوحُ منها رائحة الخمر، إلا أنه كان بحقٍّ أحد أرفع شعراء العرب كعباً في ميدان الشعر، جدّد فيه مبنى ومعنى، وكان من الجرأة بمكان أن ينتقد وقوف الأوائل على الأطلال وإن كانوا أصحاب معلقات! والعدل يقتضي ذكر المحاسن بجانب المثالب «ولا يجرمنكم شنئآن قوم على ألا تعدلوا»!
ومما يُحسب لأبي نواس الماجن فعلاً وقولاً أنه لم يكن طبالاً عند الخليفة، ولم يجامله في قضية شعر، ولطالما كانت سيرة الشعراء التكسب بالحق والباطل عند الخلفاء!
والذي يحزُّ في النفس ويدمي القلب أن ترى الفقهاء والعلماء الذين هم من المفترض أولى الناس بتأييد الحق بغض النظر عن فاعله، والوقوف ضد الباطل بغض النظر عن مقترفه، يعملون طبالين عند الحكام، وبعد أن كان علماؤنا الأُول يصدحون بالحكم الشرعي المستنبط من النص شاء الخليفة أم أبى، صرنا نجد النصوص الشرعية تُلوى أعناقها، وتُحمّل ما لا تحتمل لتناسب رأي الحاكم وهواه، هكذا انقلبت الآية، فصاروا يبحثون عن دينٍ يناسب هوى الحاكم، بعد أن كانوا يقفون بالدين الصحيح في وجه هواه، ورحم الله أحمد بن حنبل، والعز بن عبد السلام!
كذب المطبلون الذين يقرعون رؤوسنا بـ «اسمعْ وأطعْ وإن جلد ظهرك وأخد مالك»..
ماذا عن «أفضل الجهاد كلمة حق في وجه سلطان جائر»؟!
ماذا عن «سيد الشهداء» حمزة ورجل قام إلى حاكم ظالم فأمره ونهاه «فقتله»؟!
ماذا عن الشفاء بنت عبدالله تقول لعمر بن الخطاب وهو على المنبر يوم أراد تحديد المهور «لا يحل لك»؟!
ماذا عن سلمان يسأله عن ثوب لا يزيد على مترين من قماش؟!
ماذا عن الصحابة الذين لم يقولوا للشفاء تأدبي هذا عمر؟!
وماذا عن الصحابة الذين لم يقولوا لسلمان تأدب هذا الخليفة؟!
ماذا عن عمر نفسه الذي أقر بخطئه وعاد عن رأيه لأن الحق كان ما قالته المرأة، ودافع عن الثوب الذي يلبسه ولم يسجن سلماناً لأنه كان يريد رعية من الرجال لا قطيعاً من الأغنام؟!
بقلم : أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
03/12/2017
6010